تحليل فيلم Hacksaw ridge من منظور وجودي- مجلة مارڤيليا.

تحليل فيلم Hacksaw ridge من منظور وجودي.



مقال اليوم مختلف قليلاً، إذ يستدعي منك أن تشاهد إحدى مشاهد الفيلم قبل التوغل في تفاصيل المقال، حتى تتمكن من فهم ما سأقوله تاليا، لذا شاهد الفيديو من خلال هذا الرابط و بعدها عد و اقرأ المقال 👇

https://youtu.be/P1pre10V2UY?si=G8uiW63AF8p6pabz


⬅️ تخيّل معي أن مشهد الحرب الذي رأيته هو تجسيد لحياتك… فالحياة بطبيعتها سلسلة متواصلة من الصراعات. أي أنك عندما تنتهي من مشكلة، سرعان ما تظهر أخرى، وهكذا تسير الحياة. غير أن ما يحدث أحيانًا هو أن الإنسان يواجه مشكلة تجعله تائهًا – كما كان حال الجندي في المشهد، الذي لم يكن يعرف ما الذي يجب عليه فعله بينما يرى الانفجارات والموت من حوله، وهو نفسه مُعرض للموت في أي لحظة. وهنا، إذا لم يجد الإنسان معنى لما يحدث له، فقد يُصاب بالجنون – أو كما نقول في علم النفس: تظهر عليه أعراض اضطراب نفسي، كالاكتئاب مثلًا. أو قد يحدث العكس تمامًا، فينغمس في الدنيا ومادياتها – كالمال والطموح – لكي يُشغل نفسه عمّا يؤلمه داخليًا.


🤔 الجندي الذي رأيته في المشهد هو شاب تطوع في الجيش، لكنه أصرّ على أن يعمل فقط كمسعف دون أن يحمل سلاحًا، لأنه يعتقد أنه لا يريد إيذاء أحد. وقد اتخذ هذا القرار نتيجة صدمة نفسية مرتبطة بالحروب، إذ دُمّر والده نفسيًّا بعد مشاركته كجندي في الحرب العالمية الأولى. فالمعضلة هنا أن هذا الشاب وجد نفسه وسط معركة قاسية (رمزًا للحياة)، ولم يكن متيقنًا من صحة قناعاته، أو من معنى ما يجري حوله. وهذا يشبه كثيرًا ما نمر به جميعًا، حين تتراكم المشكلات حتى نشعر بالضياع، ونتساءل: هل أنا على صواب أم خطأ؟ لماذا يحدث لي كل هذا؟ ماذا يريد الله أن يخبرني به؟


⬅️ جميعنا تراودنا هذه التساؤلات، وتزداد وضوحًا عندما نفقد شخصًا عزيزًا. لكن المشكلة تكمن في أننا – للأسف – لا نبحث جديًّا عن إجابة لتلك الأسئلة. أو لنقل بصراحة: نحن نتكاسل عن البحث، أو نتظاهر بأننا نبحث عن المعنى. والحقيقة أن البحث عن المعنى يحتاج إلى جهد، تمامًا كالجهد الذي تبذله لحل سؤال صعب في الامتحان، وهو خارج المنهج، لكنك تستطيع الوصول لإجابته من خلال تحليلك للمعلومات الموجودة داخل المنهج. فالبحث عن المعنى يتطلب مهارات التفكير والاستنتاج في مواجهة سؤال وجودي صعب.


ربما لم تفهم كلامي حتى الآن، أليس كذلك؟ 😏 دعنا نأخذ المشهد كمثال عملي: لو كنت مكان ذلك الجندي، ترى الانفجارات من حولك، والموت في كل زاوية، ولا تجد حتى نفسًا لتتكلم… كل ما يمكنك فعله هو الهروب فقط. لكن، وفقًا للعلاج بالمعنى، فإن المطلوب منك في هذا التوقيت أن تبحث. والبحث هنا يكون بالتأمل. انظر حولك، راقب الأحداث التي مررت بها، وادرك أن جميعها حدثت لتوصيل معنى ما إليك. الله لا يخلق أحداثًا عشوائية أو بلا غاية… كل شيء يحدث لسبب. أحيانًا تدركه مباشرة، وأحيانًا بعد فترة، وربما لا تدركه أبدًا.

بعد أن تتيقّن – وهذا ليس بالأمر السهل – أن كل شيء له معنى، تنتقل للخطوة التالية وهي: التساؤل. وهنا يجب أن يكون التساؤل نابعًا من أعماقك، صادقًا، لا تمثيلًا. ولو لاحظت في المشهد، فإن الجندي يسأل الله: "ماذا تريد مني؟ أنا لا أفهم… لا أستطيع سماعك". وحين يكون السؤال صادقًا، فإن الإجابة ستأتي – عاجلًا أو آجلًا.

☑️ ولكن انتبه لما سأقوله الآن… إجابة سؤالك لن تكون واضحة إلا لك وحدك. فلا يصح أن تسأل الآخرين: "ما المعنى وراء ما يحدث لي؟" لأنهم سيجيبونك من وجهة نظرهم وتجربتهم في الحياة. يجب أن تعرف أن الرسالة مُشفّرة، ولا يمكن لأحد فك شفرتها سواك. المعالج أو أي شخص آخر يمكنه مساعدتك، لكنه لا يستطيع أن يلقّنك الإجابة.

طيب، ماذا يعني أن الرسالة "مشفّرة" ⁉️ أي أن المعنى لن يصل إليك في صورة خطاب مكتوب تقرؤه، وإنما من خلال الأحداث نفسها. مثلًا، أنت تحب شخصًا ما، وفجأة يحدث ظرف يؤدي إلى الفراق. هذا الموقف يدمرك نفسيًا، ويهز ثقتك بنفسك. لكن، بعد فترة، تكتشف أن هذا الشخص لم يكن مناسبًا لك أبدًا. قد يكون المعنى هنا: "تمييز الشخص المناسب من غير المناسب"، أو "ألا تتعلّق بالأشخاص أو الأشياء أكثر من اللازم". وأقول "قد يكون"، لأنني لا أجزم – فكما قلت، الرسالة مُشفّرة وتُفهم بشكل مختلف من شخص إلى آخر.

ولكن 🤌 المعنى لا يجب أن يظهر دائمًا بتلك الطريقة. فلو لاحظت، الجندي يسأل الله: "ماذا تريد مني يا الله؟"، فتأتيه الإجابة عبر سماعه صوت شخص يستغيث وسط المعركة: "هل من أحد يساعدني؟" – وهنا فهم الجندي الرسالة: أنه هو المُنقذ، هو الذي سيُنقذ زملاءه في المعركة، لأنه المسعف. وهكذا، انطلق وسط التفجيرات دون خوف، لأنه أيقن أن ما يحدث له له معنى. قد يبدو الأمر شاعريًا بعض الشيء، ولكن فكّر فيها: لو أيقنت تمامًا أن كل الأزمات التي تمر بها لها معنى، وأن الله يريد أن يخبرك بشيء من خلالها، صدّقني… لن تخاف من شيء. فكل الخوف الحقيقي يأتي من شعورك بأنك تائه، وأنك تسير في طريق مجهول بلا بوصلة.

فكّر في المعنى ▫️ فكّر ▫️ فكّر…

فبدون هذا النوع من التفكير، ستبدو لك الحياة باهتة ومملة. ويجب أن تعلم أن رحلة البحث عن المعنى قد تكون مصحوبة دومًا بالتوتر والقلق، ولكن هذا القلق علامة على أنك تسير في الطريق الصحيح، لأنك تفكر في أمور تفوق قدرة العقل البشري على الاحتمال. ووفقًا لما قاله فيكتور فرانكل – مؤسس هذا النوع من العلاج – هناك أشياء في الحياة قد لا تستطيع فهم معناها حتى على فراش الموت، مثل: "ما فائدة الحروب؟ لماذا نكره بعضنا دون سبب؟"… ومع ذلك، استمر في البحث عن المعنى.

وأمر آخر مهم: قد تصل إلى معنى معين، ثم تسأل نفسك: هل هو حقيقي فعلًا؟ وهذا طبيعي جدًا. لكن لا تتوقف، واصل البحث. وأنا كذلك، سأواصل البحث عن معنى لحياتي.

بالمناسبة، الفيلم مستوحى من قصة حقيقية.

Post a Comment

أحدث أقدم