مواقع التواصل والعلاقات الإنسانية: هل تقرّبنا أم تُبعِدنا؟
منذ ظهور مواقع التواصل الاجتماعي تغيّر شكل تواصلنا كبشر
أصبح بإمكاننا أن نتحدث مع من نحب في أي وقت وأن نعرف أخبار أصدقائنا وأقاربنا دون أن نغادر منازلنا
لكن رغم هذه المزايا بدأ البعض يلاحظ تراجعًا في دفء العلاقات الإنسانية
فهل فعلاً قرّبتنا هذه المواقع أم أنها خلقت مسافات خفية بيننا
أولًا: تأثيرها على الصداقة
في الماضي كانت الصداقة تُبنى على اللقاءات والذكريات المشتركة والمواقف الحقيقية
أما الآن فكثير من "الأصدقاء" لا يتقابلون إلا عبر الشاشة ويفضلون التفاعل عبر الرسائل بدلًا من اللقاء الواقعي
بل أصبح "عدد المتابعين" هو مقياس الصداقة عند البعض وهذا أمر خطير
فهل يمكن اعتبار من يضغط "إعجاب" على صورتك صديقًا حقيقيًا
أين الحوار العميق وأين المساندة في وقت الشدة
ثانيًا: تأثيرها على الأسرة
الأسرة أيضًا تأثرت بشكل واضح
كم من جلسة عائلية تحوّلت إلى صمت لأن كل فرد منشغل بهاتفه
أصبح التواصل داخل البيت أقل والحوارات أقل والعلاقات أكثر سطحية
الأب مشغول والأم تتابع مقاطع والأبناء غارقون في عوالم الألعاب أو التواصل مع الغرباء
وهنا يظهر سؤال مهم هل نعيش تحت سقف واحد فعلاً أم أن كلًّا منا في جزيرة منعزلة رقمية
ثالثًا: تأثيرها على العمل والعلاقات المهنية
حتى في بيئة العمل بدأت مواقع التواصل تؤثر على جودة العلاقات بين الزملاء
البعض يُهمل مسؤولياته بسبب الانشغال بالمحتوى الترفيهي وآخرون يدخلون في مقارنات غير صحية بسبب ما يُنشر من "نجاحات مزيفة" على الإنترنت
وفقدنا بذلك البساطة والروح الجماعية التي كانت تميز فرق العمل
رابعًا: تأثيرها على حياتنا الشخصية
نظنّ أحيانًا أن مواقع التواصل تمنحنا رفاهية التواصل وراحة البال ونافذة ممتعة نهرب من خلالها من ضغط الواقع
لكن الحقيقة التي يغفلها كثيرون أن هذه الرفاهية المصطنعة قد تكون بابًا خفيًا للاكتئاب
نقضي ساعات طويلة في تصفّح صور مثالية وإنجازات كبيرة وحكايات سعادة لا تنتهي
فنبدأ دون أن نشعر في مقارنة أنفسنا بالآخرين لماذا لا تبدو حياتي بهذا الجمال لماذا لا أحقق هذا النجاح لماذا أشعر بالفراغ بينما الجميع يبدو سعيدًا
هكذا يبدأ الحزن الصامت بالتسلل ونشعر أننا أقل من غيرنا ونفقد الرضا عن أنفسنا وقد ننغلق على ذواتنا
وكل هذا ونحن نظن أننا فقط نستمتع بالتصفح
الوجه الآخر لمواقع التواصل قد يكون مرهقًا للنفس يزرع القلق ويعمّق الشعور بالوحدة ويُشعرنا أننا في سباق لا نهاية له نحو الكمال
لذلك علينا أن نتذكّر ليس كل ما نراه حقيقيًا وليس كل ما يُعرض علينا يعكس الواقع
الراحة الحقيقية لا تأتي من التصفح بل من التصالح مع النفس والحياة الواقعية والعلاقات الحقيقية التي تُشعرك بأنك لست وحدك
فما الحل وكيف نساعد أنفسنا
الحل ليس في ترك مواقع التواصل بل في تنظيم استخدامها وإليك بعض الخطوات العملية
تحديد وقت محدد للتصفح اليومي وعدم السماح له بأن يسرق كل يومنا
إعادة إحياء اللقاءات الواقعية مع الأصدقاء والعائلة حتى لو كانت بسيطة
الحديث الحقيقي داخل البيت وتخصيص وقت بدون هواتف يجمع العائلة
مراجعة علاقتنا بمن نتابع والحرص على التفاعل مع من نحب بشكل حقيقي لا سطحي
الاهتمام بجودة العلاقات لا كميّتها لا يهم كم شخصًا تعرف بل كم منهم يمكنك الاعتماد عليه
مواقع التواصل ليست العدو ولكن الاستخدام غير الواعي لها هو ما يُضعف علاقاتنا
فلنستخدمها كجسر للتواصل لا كجدار للعزلة
ولنُعِد للعلاقات الإنسانية دفئها قبل أن نستيقظ يومًا فنجد أننا محاطون بالآلاف لكننا في الحقيقة وحيدون
مقال اجتماعي بقلم الكاتبة/ كريمة حمدي عمارة
إرسال تعليق