هل فقدنا معنى الأسرة في زمن السرعة ؟
في زمنٍ تتسابق فيه الأيام وتركض فيه اللحظات دون توقّف تغيّرت ملامح كثيرة من حياتنا ومن بين أكثر ما تغيّر هو مفهوم "الأسرة"
تلك الكلمة الدافئة التي كانت تعني لوقتٍ طويل المأوى والحب والحوار أصبحت اليوم عند كثيرين مجرد وجود شكلي تحت سقف واحد دون روح أو تواصل حقيقي
في الماضي كانت الأسرة تجتمع حول مائدة الطعام تتبادل القصص تتشارك الضحكات وتتعاون في مواجهة المصاعب
كان الوقت كافيًا والقلوب أكثر قربًا أما اليوم فقد فرّق بيننا الهاتف وشغلتنا الشاشات وأصبح لكل فرد عالمه الخاص داخل نفس المنزل
زمن السرعة الذي نعيشه الآن لا يرحم العلاقات كل شيء فيه مؤقت سريع سطحي حتى جلسات الأسرة أصبحت محدودة بوقت الرسائل أو مواعيد الاجتماعات
والأخطر من ذلك أن الأبناء لم يعودوا يعرفون آباءهم إلا كأشخاص مشغولين دائمًا في عجلة
بين الآباء والأبناء غياب الفهم وحرية الاختيار
في كثير من الأسر اليوم يشتكي الأبناء من غياب الفهم الحقيقي من قبل الآباء
فبدلًا من الحوار تسود نغمة الأوامر وبدلًا من الدعم تُفرض الآراء وكأن حياة الأبناء امتداد مباشر لاختيارات آبائهم
لا يُترك لهم مجال للتجربة أو مساحة للخطأ أو حتى فرصة للتعبير عن الرأي
يفترض بعض الآباء أن خبرتهم في الحياة تُعطيهم الحق الكامل في تحديد مسار أبنائهم بدءًا من الدراسة وصولًا إلى العلاقات واختيارات العمل بل وحتى تفاصيل الحياة اليومية
ومع أن النية في معظم الأحيان طيبة إلا أن النتيجة تكون عكسية إذ يشعر الأبناء بالضغط ويبتعدون ويبحثون عن الحرية خارج إطار الأسرة
الأسرة السليمة هي التي تُربّي على المسؤولية لا على الطاعة العمياء وهي التي تُنصت قبل أن تحكم وتُرشد دون أن تُجبر
فلكل جيل أفكاره وظروفه وما يناسب الأمس قد لا يُناسب اليوم
إن منح الأبناء حرية التفكير والاختيار لا يُضعف الأسرة بل يُقوّيها
لأن علاقة مبنية على الثقة والاحترام المتبادل هي وحدها القادرة على الصمود في وجه تقلبات هذا الزمن السريع
هل ما زال بإمكاننا العودة
لكن هل السبب في الزمن أم فينا نحن
ربما نحن من سمح للوقت أن يخطف منّا لحظات الدفء
ربما نحن من لم نعد نُعطي للأسرة حقّها من الوقت والتقدير
فالأسرة لا تُبنى بالوراثة فقط بل بالاهتمام بالاستماع وبالحب المتبادل
علينا أن نُعيد ترتيب أولوياتنا أن نُبطئ ولو قليلًا في هذا السباق اليومي لنستعيد ما فقدناه من دفء الأسرة
فليس هناك نجاحٌ حقيقي في الحياة إن كان يُبنى على أنقاض علاقة باهتة مع من نُحب
فلنُنعش أرواح بيوتنا قبل أن تُصبح فارغة حتى لو امتلأت بالأثاث
ولنُعدّ للأسرة معناها الحقيقي قبل أن يُمحى من الذاكرة
مقال اجتماعي بقلم الكاتبة كريمة حمدي عمارة
إرسال تعليق