ما هو التأقلم الاستباقي؟ ولماذا يجب أن تعرفه - مجلة مارڤيليا

ما هو التأقلم الاستباقي؟ ولماذا يجب أن تعرفه



نحن حالياً نعيش في فترة حرجة جداً في الشرق الأوسط، إذ نشعر أن حرباً عالمية قد تندلع ويخيم علينا الإحساس بأنها ستكون كارثة كبرى قد تُدمّر كل شيء

المشكلة أننا في ظل هذا القلق لا نعلم كيف سنتصرف إن وقعت الكارثة فعلاً أو كيف سنتعامل معها

ولأن معظم البشر يميلون إلى التفكير الكارثي فإنهم لا يحبون التفكير أصلاً في الكارثة المحتملة

وفي مصر، نجد أن طريقتنا في التعامل مع القلق والتفكير الكارثي هي السخرية والضحك


وهنا يأتي دور علم النفس الإيجابي، الذي يشير إلى أنه من الأفضل أن نحاول التأقلم مع الكارثة قبل وقوعها، أي أن نكون مستعدين مسبقًا

بمعنى: لا ننتظر وقوع المشكلة، بل نتوقعها ونستعد لها مسبقاً


❓لكن كيف يمكننا أن نتوقع شيئاً لم يحدث بعد؟


انظر يا صديقي، نحن كبشر معرفتنا محدودة، وهذه في الحقيقة رحمة من الله

فلو كنا نعلم مثلاً موعد موتنا، لكنا عشنا في قلق دائم

ومع ذلك، في حياتنا العادية، يمكننا أن نستفيد من تجارب الآخرين

فمثلًا، إذا عمل شخص في مكان معين واكتشف بعض العيوب فيه، فإن معرفتك بهذه العيوب مسبقاً قد يجعلك أكثر مرونة في التعامل مع المشكلات لاحقاً لأنك أعددت نفسك لها مسبقاً

وهذا بالضبط هو مفهوم "التأقلم الاستباقي" (Proactive Coping)


لا يعني هذا أننا نستطيع التنبؤ بالمستقبل، بل يعني أننا نقلل من احتمالية تعرّضنا للمشكلات من خلال الاستعداد المسبق لها


😕 أعتقد أنك ما زلت لا تفهم..


حسنًا، تخيّل شخصًا يدخل إلى غابة ولا يعرف شيئًا عن الحيوانات التي قد تواجهه هناك، فبالتأكيد سيتفاجأ

أما في التأقلم الاستباقي، فأنت لا تنتظر المفاجآت، بل تحاول أن تعرف كل شيء عن الغابة وتجهز نفسك بما يلزم لمواجهتها


كيف نطبق التأقلم الاستباقي؟


1️⃣ حدد هدفًا تشعر تجاهه بالخوف، وفكر في المعوقات المحتملة

اجلس مع نفسك واكتب هذه المعوقات، لا تعتمد على ذاكرتك فقط

على سبيل المثال: "سأعمل في محافظة أخرى، قد أواجه صعوبات مثل: عدم معرفة أحد هناك، أو عدم توفر سكن مناسب، أو خوفي من مقابلات العمل..."

وهنا ملاحظة مهمة: قدرتك على التنبؤ بالمشكلات تعتمد على كمية المعلومات التي تضعها في ذهنك، وهذه تأتي من أمرين: القراءة والاحتكاك بالناس


2️⃣ خطط مبكرًا

بعدما حددت المشكلات المحتملة، اسأل نفسك: "ماذا سأفعل إذا حدث كذا؟"

فمثلًا، إذا كنت لا تعرف مكانًا مناسبًا للسكن في المحافظة الجديدة، فربما تسأل صديقًا عن تفاصيل المناطق هناك، أو تبحث في خرائط جوجل عن الأحياء السكنية، أو تخطط للتواصل مع أحد السكان المحليين

المهم أنك وضعت خطة مسبقة للتعامل مع الأسوأ


3️⃣ ضع في حسابك أنك قد تحتاج إلى المساعدة

اكتب في نفس الورقة أسماء الأشخاص الذين يمكنك اللجوء إليهم

مثلاً: "إذا احتجت مالاً، سأتواصل مع فلان" وحدد الأسماء بوضوح



ورغم كل ذلك، علم النفس الإيجابي لا يدعو للتشاؤم، بل على العكس، من أهم ركائزه أن تتحلى بالتفاؤل وتتخيل نفسك ناجحًا

لكن لا تنسَ الأخذ بالأسباب، فالله إن رأى في الأمر خيرًا لك، سييسّره لك


⚠️ لكن التأقلم الاستباقي سلاح ذو حدّين


المصاب بالقلق (Anxiety) لديه بطبيعته قدرة عالية على التنبؤ بالكوارث، وهذا في حد ذاته يشبه أولى خطوات التأقلم الاستباقي

لكنه لا يستطيع أن يكمل باقي الخطوات، فهو يتخيل الكارثة بدقة، لكن لا يضع أي خطة للتعامل معها، لأنه يعتقد أن لا فائدة من ذلك أو أن كل الحلول ستفشل

فمثلًا، من يعاني من القلق الاجتماعي قد يرفض الخروج من المنزل خوفًا من سخرية الناس، دون أن يبحث عن أي حلول


لذلك، لا يمكن تطبيق التأقلم الاستباقي مع مرضى القلق إلا بإشراف أخصائي نفسي، لأن لديهم أخطاء في التفكير مثل: المثالية، والتفكير الكارثي، وهي أمور تحتاج إلى علاج نفسي أولًا ومناقشتها خلال الجلسات


📝 وأخيرًا، إن أردتم رأيي الشخصي:

أرى أن مصطلح (التأقلم الاستباقي) انتشر مؤخرًا بسبب الشهرة الواسعة لعلم النفس الإيجابي، ولكنه من وجهة نظري لم يُضف شيئًا جديدًا للعلاج النفسي، لأن تقنياته شبيهة جدًا بتقنيات "حل المشكلات" الموجودة أصلاً في العلاج المعرفي السلوكي (CBT)

ومع ذلك، أردت الحديث عن هذا المصطلح فقط حتى تكونوا على دراية به


بقلم: محمد منير حمدان 

Post a Comment

أحدث أقدم