بقلم: محمد منير حمدان
كل إنسانٍ منّا ينظر إلى الحياة من منظوره الخاص، بناءً على خبراته والبيئة التي نشأ فيها، وينطبق هذا الأمر كذلك على العمر؛ فبعض الناس عندما يُحالون إلى التقاعد بعد سن الستين يصابون بالاكتئاب، ويشعرون بأن الحياة لم تَعُد ذات معنى، بينما يرى آخرون أن هذه فرصة جيدة للراحة من العمل وقضاء وقت أطول مع العائلة، لكنني أظن أن الأمر ليس بهذه البساطة، إذ إن هناك من يشعر بالاكتئاب من التقدم في السن وهو لم يتجاوز الثلاثين بعد؛ يشعر وكأن شبابه قد ولّى ولن يعود
وتُعرف هذه الظاهرة باسم فوبيا التقدُّم في السن أو Gerascophobia، وهي بالمناسبة، بحسب الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM-5-TR)، تُعد نوعًا من أنواع الرهاب (الفوبيا)، أي أنها ليست مجرد حالة عابرة، بل اضطراب نفسي حقيقي
ولكن من المهم أن نُدرك أن ليس كل من يقلق بشأن التقدُّم في السن يُعاني من فوبيا، فلو اعتبرنا كل شخص يقلق من الشيخوخة مصابًا بفوبيا، لأصبحت جميع الناس تعاني من هذا الاضطراب، ولكن للتشخيص، يجب أن يكون هذا القلق طاغيًا على تفكير الشخص أغلب الوقت، وقد يصل إلى حد الإصابة بنوبات هلع (Panic Attacks)، كما يتجنب الشخص كل ما يُذكّره بمرور الزمن، كعيد ميلاده، أو الحديث عن تقدُّم أطفاله في السن، أو حتى موضوع التقاعد، ويصاحبه كذلك شعور بالحزن الشديد واعتقاد بأن الحياة بلا معنى، أو أنها تفقد معناها عند سن معين؛ فتجده يعتقد مثلًا أن الحياة بعد سن الأربعين لم تعد تستحق
وقد يصل الأمر إلى حد أن يحتفظ الشخص بمرآة معه طوال الوقت ليتحقق مما إذا بدأت تظهر عليه علامات التقدُّم في السن كالتجاعيد، أو الشعر الأبيض، أو ترهلات الجلد، وإذا كانت لديه الإمكانية المادية، فإنه ينشغل أغلب الوقت بمتابعة أطباء التجميل، ومشاهدة مقاطع الفيديو الخاصة بحقن البوتوكس، أو الفيلر، أو جلسات الليزر، خصوصًا لدى النساء، وتتابع بعضهن هذه المواد لتقرر نوع العملية التي ستجريها، وفي بعض الحالات، يصل الانشغال بالمظهر إلى درجة اضطراب تشوّه صورة الجسد (Body Dysmorphic Disorder)، حيث يرى الشخص عيوبًا صغيرة في شكله وكأنها عيوب كبيرة تستدعي القلق
لماذا يحدث ذلك أصلًا؟
1️⃣ الخبرات السابقة: إذا رأيت والدك في صغرك يُصاب بمرض السكري عند سن الأربعين، وكان رجلًا نشيطًا ثم أصبح ضعيفًا يحتاج إلى عناية خاصة، ووجدت أن أسرتك تعاملت مع الأمر بقلق شديد، فسيترسخ في ذهنك أن سن الأربعين هو بداية التعب والمرض، ما يجعلك تشعر بالخوف كلما اقتربت من هذا السن، وهذا ينطبق أيضًا على أمراض مثل الخرف والزهايمر
2️⃣ معتقدات خاطئة: قد يكون لديك اعتقاد خاطئ بأن الآخرين يحبونك أو يحترمونك بسبب جمالك أو شبابك، وبالتالي عندما تبدأ ملامح وجهك في التغيُّر، تشعر أن جاذبيتك ستنخفض وأنك ستفقد مكانتك في أعين الناس
3️⃣ العوامل الثقافية: في بعض الثقافات، يُهمل كبار السن تمامًا، ويُنظر إليهم كمجرد "بركة" في البيت، لا يقومون بأي نشاط ولا يُؤخذ برأيهم، وفي مصر، مثلًا، يقول الأقارب غالبًا لكبار السن: "لا تتعب نفسك، أنت أصبحت كبيرًا"، مما يُشعرهم بالعجز، ولهذا يخاف البعض من الوصول إلى هذه المرحلة من العزلة، أما النساء، فغالبًا ما يعانين من هذه النقطة بشكل خاص لأن علامات التقدُّم في السن تظهر عليهن في الغالب قبل الرجال، فيَخشين من تنمُّر الناس، أو من عدم القدرة على إرضاء الزوج جنسيًا، أما بعض الرجال فقد يعانون من الخوف من فقدان القوة أو القدرة الجنسية، وهي مخاوف تنبع من معتقدات بيئية خاطئة، خاصة في البيئة المصرية، ويعرف المعالجون الجنسيون تأثير هذه الأفكار في تدمير العلاقة الزوجية
4️⃣ الوسواس القهري (OCD): وخصوصًا عندما يتمحور حول الصحة والخوف من الأمراض
لكن، كيف نعالج هذا الأمر؟
🔹 العلاج المعرفي السلوكي (CBT): وهو الخطوة الأساسية في التعامل مع هذا النوع من الفوبيا، ينبغي التركيز على تصحيح أخطاء التفكير لدى المريض، نسأله مثلًا: ما أفكارك حول سن معين؟ هل هذه الأفكار صحيحة؟ من أين اكتسبتها؟ هل هناك وجهة نظر مختلفة؟ نحاول من خلال الحوار الجدلي (السقراطي) وتفعيل "السلم المعرفي" تعديل الأفكار الكارثية إلى أفكار أكثر واقعية، حسب كل حالة، كما يمكن استخدام التعرّض التدريجي، فمثلًا إن كان يخشى رؤية التجاعيد، نبدأ بصور لتجاعيد خفيفة، ثم بارزة، ثم صور لوجهه، ثم نطلب منه النظر في المرآة لفترة زمنية محددة، ونراقب استجابته تدريجيًا
🔹 العلاج بالتقبُّل والالتزام (ACT): نُساعده على تقبُّل مرور الزمن كأمر طبيعي يمر به الجميع، ثم ننتقل إلى اكتشاف قيمه وأهدافه في الحياة، إذ إنها هي ما يستحق أن يُركّز عليه الإنسان
وفي بعض الحالات، قد نحتاج إلى العلاج الدوائي، خصوصًا إذا كان الخوف مصحوبًا بوسواس قهري أو اضطرابات مصاحبة أخرى
إرسال تعليق