خرافات حول العلاج النفسي - مجلة مارڤيليا

هل العلاج النفسي مجرد فضفضة ؟ خرافات حول العلاج النفسي .



   كتب // محمد منير حمدان " أخصائي نفسي" 

من النادر أن تجد شخص يعرف العلاج النفسي حقيقةً، المجتمع المصري بشكل عام يُعامل منظومة العلاج النفسي عامة بشكل من الحكم و الافتراضات، فمثلاً بخصوص العلاج الدوائي فأغلب الظن أن من يقرأ هذا المقال يخال أن الأدوية التي يصفها الطبيب النفسي تسبب الإدمان، و سبب ذلك الاعتقاد هو القوى الناعمة ممثلة في الأفلام و الإعلام، لذلك تعالوا اليوم نتعرف من الداخل على العلاج النفسي في صورته الدوائية و الكلامية . 

    في البداية لا بد أن يعرف القارئ الفرق بين الطبيب النفسي و الأخصائي النفسي، لأن هذه المهن يحدث بها تداخل عند معظم الناس، فيظن البعض أن الطبيب يمكنه أن يعالج كلامياً و الأخصائي يمكنه أن يعالج باستخدام الدواء . 

    الطبيب النفسي هو شخص تخرج في كلية الطب و قرر التخصص في مجال الطب النفسي، و من خلال دراسته الأكاديمية يمكنه أن يصف الدواء لأنه درس المواد الفعالة كما أنه يعي أي مادة يمكنها أن تؤثر على النواقل العصبية، كما أنه يعرف جيداً الأثار الجانبية للدواء، و حين يقوم بعملية التشخيص فإنه يشك في البداية بأن الأعراض النفسية يمكن أن يكون أساسها جسدي لذلك يطلب من المريض الأشعة و التحاليل حتى يطمئن، و لكنه رغم كل شيء لا يستطيع أن يقوم بالعلاج الكلامي مع المريض لأن العلاج الكلامي قائم على منهجيات معينة هو لم يدرسها . 

    أما الأخصائي النفسي فهو شخص تخرج في كلية الأداب قسم علم النفس العام أو علم النفس الاكلينيكي، و من خلال دراسته يستطيع تشخيص الحالات النفسية بدقة شديدة اعتماداً على مقاييس لقياس شدة الاضطرابات مثل مقياس بيك للاكتئاب و مقياس براون للوسواس القهري، و يستطيع أيضاً القيام بجلسات العلاج النفسي الكلامي مثل العلاج المعرفي السلوكي و العلاج الجدلي، و لكنه لا يستطيع أن يصف الدواء و ذلك لأنه محكوم بضوابط تحكم مهنته و منها عدم وصف الدواء، و أيضاً لأنه لم يدرس المواد الفعالة و الأثار الجانبية للدواء . 

  إذن بعد أن عرفت هذه المهن عن قرب، لمن أذهب حين أصاب بمشكلة نفسية ؟ ألا يراودك هذا السؤال الأن ؟ 

    في الحقيقة لا يوجد دستور يمكن أن يحكم هذا القرار، فحين تصاب بمشكلة نفسية يمكنك أن تذهب إلى حيث تريد، و لا يوجد خيار أفضل من أخر لأنه في النهاية ما يهمنا هو صحتك النفسية و ليس اثبات من منا على صواب . 

    أتفهم حيرتك لذلك سأحاول أن أوضح أكثر . 

    من وجهة نظري أظن أنك يجب أن تذهب إلى طبيب نفسي Psychiatrist في 

البداية فهو يحدد بدقة إذا كان هناك أساس عضوي لكل ما يحدث لك، فمثلاً الخلل في نشاط الغدد الصماء يمكن أن يسبب مجموعة هائلة من الاضطرابات النفسية، لذلك يمكن أن تكون مشكلتك هي الحاجة إلى أدوية تضبط نشاط الغدد، أما إذا اكتشف أن المشكلة نفسية و كل الأشعات و التحاليل تقول أنك على ما يرام، إذن فالتدخل هنا ينبغي أن يكون لأخصائي نفسي Psychologist . 

    و لكن هناك بعض الحالات التي لا تتحسن بأدوية الغدد و مضادات الاكتئاب و في هذه الحالة فالأمر بحاجة إلى أخصائي نفسي أيضاً . 

 و السؤال الذي من أجله قرأت هذا المقال، هل العلاج النفسي مجرد فضفضة ؟ 

    قولا واحداً.. لا ليست مجرد فضفضة.. الفضفضة تعني أن الذي يحكي شخص سلبي و السامع شخص سلبي أيضاً، لأن الفضفضة هي حديث عائم بلا ترتيب أو تنظيم، و لكن في العلاج النفسي هناك مدارس عديدة مثل مدرسة العلاج المعرفي السلوكي الذي ذكرناها سابقاً . 

    هذه المدرسة ترى أن كل مشكلاتك و سلوكياتك الخاطئة سببها أخطاء في التفكير، و سأعطيك مثال بسيط، مثلاً أنت حصلت على 9 من 10 في الامتحان، ثم راودتك فكرة أن هذه الدرجة المفقودة تعني أنك فاشل، و من هذه الفكرة شعرت بالحزن و الاحباط، و حين قابلك شخص في الطريق يطلب منك مساعدة انفجرت في وجهه و كدت أن تقلب هذا الموقف البسيط عراكاً، إذن أنت ستأتي للأخصائي و مشكلتك أن عصبي جداً و تتعارك مع ذباب وجهك، لكن الأخصائي يكتشف معك أن السلوك العصبي ليس إلا نتيجة لفكرة بداخلك و هي أنك فاشل و لذلك تريد أن تقنع نفسك أنك تستطيع السيطرة على حياتك عن طريق العصبية و التوتر، هذا مثال بسيط جداً . 

    و لكي تتم عملية العلاج النفسي بنجاح لا بد أن يحدث تعاون بين الأخصائي و الحالة، لذلك لا تظن أنك ستذهب للأخصائي فتحكي له أحداث يومك و الأخصائي بحكمة الأولين سيجعلك تحل كل المشكلات، و أيضاً كل جلسة يطلب الأخصائي من الحالة مجموعة من الأنشطة تسهم في عملية العلاج . 

    و هناك أيضاً مدرسة أخرى في العلاج تسمى بالعلاج الجدلي السلوكي، هذه المدرسة من إبداع مارشا لينهان، خرجت هذه المدرسة لتكون علاجاً لاضطراب الشخصية الحدية خصيصاً و لكن مع مرور الوقت أثبتت نجاحها في علاج كل الحالات النفسية تقريباً، تعتمد هذه المدرسة على تمارين التنفس و الاسترخاء و الوعي باللحظة التي تعيشها الأن، كما أنها تقوم بتنظيم المشاعر وتعلمك مهارات التعامل مع العلاقات.. و هناك ألاف من المدارس العلاجية و لكن هاتان أفضلهم و أكثرهم استخداماً من قبل الأخصائيين . 

     في النهاية الوعي بالعلاج النفسي أهم من العلاج النفسي ذاته، و سأحاول مستقبلاً أن أتكلم عن هذا الأمر بشيء من الإسهاب أكثر .                

Post a Comment

أحدث أقدم