ما الذي يحدث في عقلك عندما تمر بصدمة ؟
كتب // محمد منير حمدان {اخصائي نفسي}
تكمن خطورة الصدمة في أنها شعور غير سار، شعور يغير من النمط الطبيعي الجاري لحياة الإنسان، و الإنسان بفطرته لا يستطيع تغيير نمطه بسهولة أو استقبال أنماط جديدة من المشاعر و الأحداث، فمثلاً إذا اعتدت على أن شخص ما يرافقك في رحلتك في الحياة ثم فوجئت في إحدى الأيام بأن هذا الشخص مات، اختفى، المهم أن هذا الحدث غير من منظورك الفعلي للحياة، أصبح للحياة مذاق جديد أنت للمرة الأولى تتذوقه حتى لو كان عكراً .
و بالنظر إلى ما يحدث في عقل الإنسان أثناء الصدمة فهناك مراحل لها أو تحديداً مراحل لتقبل الصدمة، و طبيعي أن يختلف تقبل الصدمة من شخص لأخر فنحن كائنات معقدة و آلية أمخاخنا مفاجئة طوال الوقت، فأنت مثلاً قد تُفاجئ بنفسك في وقت الصدمة تضحك بشكل هيستري و ذلك في العُرف النفسي يسمى أسلوب لا شعوري يفعله المخ دون أن تدري حتى يحميك من شدة المشاعر التي ستقابلها بعد وعيك بالصدمة .
و بما أننا نتحدث عن الصدمة فلا بد أن نتكلم عن طبيبة نفسية سويسرية اسمها إليزابيث كوبلر روس، لاحظت هذه الطبيبة أن هناك نمط معين من المشاعر التي تحدث للإنسان عندما يمر بصدمة، و قالت بأن الإنسان يمر بخمس مراحل لتقبل التغيير الطارئ، أول هذه المراحل هي الإنكار، ببساطة تخيل أنك مررت بصدمة موت شخص تحبه جداً فالطبيعي أن مخك لا يستوعب الموقف لأنه جديد كما قلنا، فالذي يحدث أنه يخلق واقع خيالي جديد، فتقول في نفسك " لم يمت، لقد اختفى لبعض الوقت و سوف يعود"، أنت ترفض تصديق الحقيقة لأنها مؤلمة جداً .
و المرحلة الثانية هي الغضب، و للأسف أنت في هذه المرحلة قد مر عليك وقت بعد الصدمة و لذلك استطعت أن تستوعب الموقف بآلامه دون تلوين أو وهم، ينفجر الغضب بداخلك و تنعت كل شيء في الحياة، تكره الحياة و تحس أنها بلا معنى أو أن الله خلقنا لنعاني فقط، تشعر بالاختناق كلما طرأت فكرة أن الشخص الذي كنت تحبه مات فعلاً و قد تبكي لشدة غضبك و تنفعل لأتفه الأسباب على أشخاص ليس لهم ذنب سوى أنهم يريدون مساعدك، و قد تأخذ قرارات غير منطقية في هذه المرحلة لأن الغضب مستمر معك طوال الوقت .
و المرحلة الثالثة و هي المساومة، مخك يفترض أشياء خيالية مرة أخرى ليجعلك ترتاح، فتنتابك فكرة أن ماذا لو أنه لم يمت ؟ أو لو أنك مررت بعلاقة فاشلة فيراودك سؤال ماذا لو عاد ليعتذر ؟ في هذه المرحلة لو تُرك الشخص لذاته فسوف تشتد حدة أعراض الصدمة و يتحول إلى المرحلة الرابعة .
و ببساطة المرحلة الرابعة هي الاكتئاب، أنت فهمت فعلاً الحقيقة و أصبحت مدركاً لكل معالمها لكنك يئست من كل شيء، تبدو من الخارج كأنك هادئ و حكيم و لكن بداخلك نار موقدة، و ما دمنا نتحدث عن الاكتئاب فأعراضه هي خلل في النوم فأحياناً ينام كثيراً و أحياناً يأرق و لا ينام، و خلل في الشهية نحو الطعام، و عدم القدرة على التركيز، و فتور في الرغبة الجنسية، لكن الأصعب في الاكتئاب هو المشاعر التي يخلقها في نفسك، فترى الحياة بلون قاتم عبثي و تحس بالذنب أغلب الوقت .
و المرحلة الخامسة و هي أهم مرحلة، القبول، قبل أن يصل الشخص إلى هذه المرحلة يكون قد مر بانفعالات مذبذبة تجاه الحياة و الله، فأحياناً يلجأ إلى الدعاء و أحياناً يقنط و يرفض كل شيء لأنه يرى أن الدعاء لن يعيد الميت أو يغير من الواقع الفعلي، لكن في طيات تلك المشاعر تُخلق لديه قناعة جديدة ألا و هي أن الموت حق كما الحياة حق، و يمكن تطبيق ذلك على كل الصدمات، و عندما يصل الشخص إلى هذه القناعة يكون قد أصبح حكيماً فعلاً و يمكنه التحدث عن مشاعره بكل حيادية، بل و الجميل أيضاً أن بإمكانه أن يدعم شخص مر بنفس صدمته .
و على افتراض أن الشخص مر بهذه المراحل دون أن يصل في النهاية إلى مرحلة القبول، و هنا لنا وقفة لأن ذلك سيجعلنا نتوغل في شرح اضطراب ما بعد الصدمة PTSD ، و هذا الاضطراب يتم تشخيصه بعد مرور ستة أشهر تقريباً على الصدمة، و يمكن ملاحظة أعراضه في تجنب الشخص الكلام عن الحدث الصادم أو الذهاب إلى الأماكن التي تذكره بالحدث، و يمر بكوابيس كثيرة تذكره بالحدث، و يكون متهيجاً نحو كل الأحداث التي تمر به خوفاً من التعرض لصدمة مرة أخرى، و هو اضطراب لا يمكن علاجه ببعض الكلام المعسول، فأحياناً ما تأتي أعراض جسدية مرافقة له مثل زيادة ضغط الدم و خلل في ضربات القلب، لكن بالنسبة للعلاج النفسي فهناك مناهج حديثة للتعامل معه و تؤتي ثمارها، مثل العلاج المعرفي السلوكي للصدمة و هو يعتمد على تعديل وجهة نظر الشخص و أفكاره تجاه الأحداث الصادمة و هو علاج سريع و فعال، و علاج أخر غير منتشر للأسف و هو EMDR و يعتمد على استعادة الحدث الصادم عن طريق حركة العين ثم تعديل هذا الحدث أو رؤيته بمنظور أخر، مشكلة هذا العلاج أنه يؤخذ في مراكز خاصة به و رغم قوة نتائجه إلا أنه غير منتشر .
و أختم بقول عالم النفس ألبرت أليس حين قال " الإنسان لديه ميل للتفكير بطريقة غير منطقية ."
إرسال تعليق