الواسواس القهري

الواسواس القهري. 

هو حرب داخلية عنيفة لا يشعر بها إلا صاحبها .



كتب // محمد منير حمدان 

( أخصائي نفسي)

الواسواس القهري . . حرب داخلية عنيفة لا يشهر بها الا صاحبها

    في السابق كان الوسواس القهري يوصف بأنه نقصٌ في الإيمان و استجابة لهمزات الشيطان، لكن مع الموجة النفسية الحديثة التي اجتاحت العالم في القرن التاسع عشر، أصبح عدد ليس بالهين يفهم ماهية الاضطرابات النفسية، عندها بدأ الناس يدركون إلى حدٍ كبير أن هذه الطقوس و الأفكار الغريبة التي تجتاح مريض الوسواس ليس لها علاقة بالإيمان أو الشيطان .

    لكن دعونا الأن نتحدث عن مرض الوسواس القهري كما نعرفه اليوم، في البداية لا بد أن يعرف القارئ أن أي شخص في هذه الحياة معرض لأن تجتاحه أفكار و أفعال وسواسية في أي وقت و في أي مكان، لكن رغم ذلك فالإنسان السوي الطبيعي يستطيع مجابهتها و مقاومتها، أما مريض الوسواس فيتلظى ألماً بمفرده و هو يصارع نفسه طوال الوقت و في الغالب تهزمه الوساوس فيشعر بالإحباط أكثر، و إذا فكر في أن يقُص على أحد ما يحدث له فإن الرد التلقائي هو أن تصلي و تتقرب من الله و تقرأ القرآن، و لا يمكن لأحد إنكار العبادات و أثرها الإيجابي في نفس كل إنسان، لكن هذه الأشياء قد تدفع عنه الوساوس لمدة من الوقت و بعدها تعاوده الأفكار و الأفعال الغريبة و كأن شيئاً لم يحدث، الأمر يشبه تماماً أن تحاول التركيز في المذاكرة لكن بجانبك ضجيج حفلة في الشارع، فكيف ستتمكن من التركيز ؟ هذا بالضبط ما يحدث في رأس المضطرب، إنه يحاول الفِكاك من هذه الأفكار لكنها كضجيج الحفلة .

    و لذلك فالوسواس القهري ينقسم إلى نوعين من الأعراض :

سأحاول شرح الأمر ببساطة حتى يفهمه غير المتخصص، فلدينا أعراض تسمى بالأفكار الوسواسية و أعراض أخرى يُطلق عليها الأفعال القهرية.

    الأفكار الوسواسية هي مجرد أفكار غير منطقية و المريض يعرف أنها غير منطقية لكنه رغم ذلك يستجيب لها و يتعامل معها على أنها حقيقة ، و أشهر هذه الأفكار هي الوساوس الدينية فيفكر المضطرب في

أشياء مثل هل الله موجود فعلاً ؟ من خلق الله ؟ هل ديني هو أفضل دين أم أن الأمر مجرد خدعة ؟ ما الدليل على أن الأنبياء و الرسل ليسوا دجالين؟ و هناك العديد و العديد من هذه الوساوس الدينية، و المريض لا يصدقها كما قلنا سابقاً بل و يحاول تفنيدها و مقاومة تأثيرها عليه، لكنه لا يستطيع و خاصة إذا جاءته هذه الأفكار و هو يصلي أو يقرأ القرآن، عندها قد يغضب و يبكي لأنه يشعر بالخزي و العار تجاه نفسه، يشعر أن الله غير راضٍ عنه و بالتالي يشعر بالذنب أغلب الوقت، و نوع أخر من الأفكار الغريبة و هو اضطراب تشوه شكل الجسم و فيه ينشغل المريض_ بشكل مفرط و تعسفي كلما نظر لنفسه في المرآة_ بعضو معين في جسمه، فمثلاً ينظر لنفسه في المرآة، فتنتابه أفكار حول أن أنفه كبير أو أنه جسمه رفيع جداً و العكس صحيح و هذه الأفكار تجعله لا يقبل نفسه فينزوي و يشعر بالإحباط رغم أنه يعرف أن صورته التي افترضها عن نفسه ليست صحيحة .

    أما الأفعال القهرية و هي الأشهر، فتتمثل في أنواع كثيرة مثل وساوس النظافة، فمثلاً قد يقوم المريض بتنظيف يده عدة مرات بحيث يعطل الحمام و يكون مزعجاً لأسرته، و هو يفعل كل ذلك ظناً منه أنه هكذا يقي نفسه من الجراثيم و البكتيريا، أما وساوس الترتيب فتأتي في شكل نمط معين يتخذه المريض لترتيب أشياءه، و إذا قام أحد بالإخلال بهذا الترتيب ينفجر غضباً و يشعر بالتوتر المفرط، و وساوس التأكد يعاني فيها المريض من التأكد من الأشياء أكثر من مرة، فتجده يخرج من البيت فتهب فكرة في رأسه أن البوتاجاز مفتوح فيستجيب للفكرة ليعود للبيت فيجد أن كل شيء على ما يرام و قد تأتي له الأفكار مرات عديدة بحيث تجعله يتعب و يكل من كثرة المجهود الذي يبذله في أشياء ليس مضطر لفعلها، أما النوع الذي قد لا يلفت انتباهكم رغم أنه موجود بكثرة و هو اضطراب الاكتناز و فيه يحاول المريض الاحتفاظ بكل الأشياء التي تخصه مع عدم قدرته على التخلي عنها، فيشعر أن هذا الأشياء تمثل شخصيته أو سوف يكون لها قيمة في المستقبل، فمثلاً قد يحتفظ بكراسات ليس لها قيمة أو فواتير انتهت أو الأبشع أن يحتفظ المريض مثلاً بولاعات أو أشياء مؤذية، قد يشكو أهل هذا المريض من أن البيت أصبح متخماً بأشياء ليس قيمة جعلت البيت ضيقاً جداً، و لا أحتاج أن أذكركم أن كافة صور الأفعال القهرية أيضاً يعرف فيها المريض أن أفعاله ليست منطقية، أي أنه مستبصر بأفعاله الغريبة لكنه لا يستطيع منعها .

    و رغم كل تلك الصور التي تجعلك تظن أن الوسواس هو طفيل لا يمكن العلاج منه، إلا أن من رحمة الله علينا أن الوسواس القهري يُعالج، و هناك طرق كثيرة في العلاج، فإذا ذهبت لطبيب نفسي فسيقوم بوصف مجموعة من الأدوية مثل أنافرانيل و بروزاك، و لكن لا يمكن تجرع هذه الأدوية إلا بإشراف طبي حتى يقوم الطبيب بفحصك و التأكد من أن هذه الأدوية مناسبة لك، أما النوع الأخر من العلاج و هو العلاج النفسي و يقوم به أخصائي نفسي مدرب بعناية، حيث يستخدم العلاج المعرفي السلوكي و هذا العلاج يعتمد على تحدي أفكار المريض و معرفة أخطاءه المعرفية ( الفكرية ) .

    الوسواس القهري تحدي كبير لصاحبه و لذلك إذا لاحظت أحد من أسرتك أو أًصدقائك يعاني منه، أرجوك لا تحاول التقليل من شأنه أو نهره على أفكاره و أفعاله، بل حاول مساعدته و أكد له أنك تفهمه جيداً و تدرك حجم المعاناة التي يعانيها، و حاول أن تنصحه بالذهاب إلى طبيب أو أخصائي نفسي حتى يساعده، لأنه يشعر من أعماقه أن لا أحد يمكن أن يفهمه أو أن معاناته ليس لها علاج .


والى هنا فقد انتهت رحلتنا مع المقال من مقالات مارفيليا الصحفيه وهذه المره كان عن الوسواس القهري كان معاكم في هذا المقال محمد منير حمدان ( أخصائي نفسي). 

Post a Comment

أحدث أقدم