هل المدرسة مكان مناسب فعلاً للتربية؟ - مجلة مارڤيليا.

 هل المدرسة مكان مناسب فعلاً للتربية؟ ⁉️ 

(نموذج فيلم "لا مؤاخذة")



بقلم: محمد منير حمدان 

لقد ظللت أفكر في هذا الموضوع لفترة طويلة، ولم أتمكن من ترتيب أفكاري على الرغم من خطورته، ولذلك سأحاول التفكير معكم بصوت عالٍ وللأسف، اكتشفت أثناء تحضيري أن الأبحاث العلمية المحكمة حول هذا الموضوع نادرة جدًا في الوطن العربي.


حسنًا...

⬅️ من الطبيعي أنه إذا شعرتَ بآلام في بطنك لفترة طويلة، فإنك تبحث عن طبيب متخصص في نوع الشكوى التي تعاني منها. وتكون مصادر بحثك عن الطبيب مثل الإنترنت أو ترشيحات الناس، لأن هذه المصادر تمنحك تفاصيل عن طبيعة الطبيب وعيادته، وهل لديه خبرة أم لا...


⚪️ المثال الخاص بالطبيب يذكرني تمامًا بالشخص الذي يقرر، عندما يبلغ ابنه خمس سنوات، أن يرسله إلى المدرسة، معتقدًا أنها المكان المناسب لتعريفه بالعالم وتعليمه وتربيته بشكل سليم. لكن الفارق هنا أنه يُدخل ابنه إلى مكان لا يعرف طبيعته، ويتركه تمامًا لهذا المكان مطمئنًا أن ابنه في أيدٍ أمينة. وهذا مثل الشخص الذي تؤلمه بطنه فيذهب إلى أي عيادة أمامه فقط لأنها "عيادة"، سواء كانت عيادة مسالك بولية أو أعصاب، فالمهم أنها عيادة والسلام.


ولذلك، سأحاول في هذا المقال أن أُبرز لك أبعاد هذا المكان (المدرسة) من خلال فيلم لا مؤاخذة الذي صدر عام 2014، وأثار جدلاً واسعًا وقتها بسبب جرأة طرحه. ومن خلال هذه الأبعاد، يمكنك أن تقرر كيف تتابع ابنك، أو تقرر ما إذا كان هذا المكان مناسبًا للتعليم والتربية أم لا.


ببساطة، تدور قصة الفيلم حول هاني، التلميذ المسيحي الذي نشأ في مدارس إنترناشيونال، ولكن تحدث مشكلة في العائلة تجبره على الالتحاق بمدرسة حكومية – مثل تلك التي درسنا فيها جميعًا. ولذا، فإن ملامح المدرسة في الفيلم كانت واقعية جدًا، وذلك لأسباب بسيطة:


1️⃣ انعدام التواصل تقريبًا بين التلاميذ والمعلمين:

المعلم يأتي ليؤدي مهمة ويرحل، ولا يملك الرغبة في الحديث مع التلاميذ أو فهم طريقة تفكيرهم. وحتى إن كان المعلم محترمًا وذو ضمير، فهو يسعى لبناء صورة ذهنية مرعبة لنفسه حتى يخاف منه التلاميذ. لذا، أول ما يجب أن تعرفه هو أن المعلم ليس مصدر أمان، بل مصدر تهديد وريبة. وغالبًا ما لا يراعي المدرسون أي اعتبارات أخلاقية في اختيار كلماتهم، فتجدهم يصفون التلاميذ بكلمات مثل: (يا غبي، يا مغفل، يا أولاد الـ...).


2️⃣ التنمّر سلوك طبيعي جدًا في المدرسة:

يُعتبر من المسلّمات، ويكاد لا يمر يوم دون أن يتعرض التلميذ للتنمّر من زملائه أو معلميه، والعكس كذلك. ولا يشترط أن يكون لدى الطفل عيب خَلقي (كأن يكون "ضبّاشًا" مثلاً)، بل يكفي أن يرتدي ملابس أنيقة ليُصبح مادة للسخرية. وإذا كان الطفل من بيئة محافظة، فسيُصبح هدفًا دائمًا للقيل والقال.


3️⃣ العنف سلوك مبرر ومفهوم في بيئة المدرسة:

من الطبيعي أن تجد تلميذين يتشاجران بعنف خلال الفسحة، في حين يشاهد بقية التلاميذ المشهد ويشجعون أحد الطرفين. أما الإدارة والمعلمون، فهم في "عالم آخر". ونتيجة لذلك، تنتشر بين التلاميذ اضطرابات السلوك (Conduct Disorder)، ويشتهر بعضهم بالمشاكل والكذب والسرقة والعنف دون أدنى شعور بالذنب أو التوتر. وما يعزز هذا السلوك هو احترام التلاميذ والمعلمين لذلك الطالب المؤذي.


4️⃣ شكوى التلميذ تُعتبر عارًا:

في "قانون الغابة" الذي يفرضه التلاميذ، يجب على كل طالب مواجهة كل شيء بمفرده، خاصة الذكور. وإذا اشتكى لأهله أو للمعلم، فسيُوصم بالضعف، ويصبح هدفًا للتنمّر. ولهذا السبب، قد لا يخبرك ابنك بأي شيء يحدث له في المدرسة، حتى وإن تعرض للتحرش – لأنه لا يريد أن يُسخر منه أحد.


5️⃣ المدرسة تدعم المدعوم:

الطالب الذكي والمُجتهد يُفضله المعلمون، ويدعمونه بالكلمات والجوائز لأنه "مش مُتعب". أما الطالب الضعيف، فيُهمَل تمامًا ويُهان من المعلمين وأهله على حد سواء. وبالتالي، يتعلم أن المدرسة لا تصلح إلا لمن هو مستعد نفسيًا وذهنيًا للتعلّم. وكثير من التلاميذ يقررون تعلم مهنة لأنهم يرون أن وجودهم في المدرسة مجرد "تضييع وقت". تخيل لو أن هؤلاء التلاميذ حظوا باهتمام حقيقي وفُهمت ظروفهم – ربما كانت لديهم صعوبات تعلم ولم ينتبه إليهم أحد.


6️⃣ المدرسة مصدر رئيسي للتعلم الجنسي المشوّه:

بعض التلاميذ يأتون من بيئات مفككة أخلاقيًا، فينقلون مفاهيم جنسية مشوّهة لزملائهم. ويتأثر بهم الأطفال بشدة لأنهم لا يفهمون معنى ما يُقال، وسرعان ما يربطون بين "النظرة الشهوانية للمعلمة" والرجولة. بل إن بعضهم يُحضِر أفلامًا إباحية على الهاتف الجوال، ويعرضها كنوع من التحدي وإثبات الذات، وسط إعجاب بقية التلاميذ.


7️⃣ غياب دور الأخصائي النفسي والاجتماعي في المدرسة:

في معظم المدارس الحكومية، يعرف التلاميذ أن هناك "غرفة" تُسمى غرفة الأخصائي، لكنهم لا يزورونها أبدًا. ولا يعرفون من هو الأخصائي، ولا ما وظيفته، ولا معنى "المشكلات النفسية". الطفل يشعر بالضيق، لكنه لا يستطيع التعبير عنه. والأدهى أن المعلمين أنفسهم لا يفهمون معنى الاضطرابات النفسية، ويعتبرون التلاميذ " بهائم " يجب تأديبهم بالضرب. 


🔴 خلاصة القول:

أنا لا أقول لك "لا تُرسل ابنك إلى المدرسة"، ولكن أرجوك، لا تكن مطمئنًا تمامًا متخيلًا أن المدرسة هي المكان الذي سيُعدّه للحياة ويعلمه. للأسف، قد تخلق له المدرسة تشوهات نفسية تستمر معه طيلة عمره. ولا تستخدم الحجة التقليدية: "هذا ما وجدنا عليه آباءنا"، لأنك سترى هذا المفهوم بوضوح حين يقول بعض الآباء للمعلم: "اكسر، ونحن نصلح".


وهذا خطأ جسيم، لأن:


إن كان المعلم عنيفًا، فلن ينتظر إذنك ليكون كذلك.


وإن لم يكن عنيفًا، فقد يعتبر هذه العبارة تصريحًا مفتوحًا للإساءة باسم "المصلحة".



🚫 والأخطر من ذلك أن عبارة "اكسر ونحن نصلح" تُدمّر الطفل نفسيًا؛ لأنه لا يشعر بالأمان في المدرسة، والآن يشعر بعدم الأمان حتى من قِبلك. وهكذا، سيبحث عن الأمان في مكان آخر.


⚪️ أعلم أن هناك من سيقول: "أولاد هذه الأيام لا يُربَّون بجنيه!"

والغريب أنك تجيب على نفسك! لا يوجد دخان بدون نار. لم يُخلق الإنسان معطوبًا، وإذا تحدثنا عن الاستعداد الجيني، فهو مجرد "استعداد"، وليس حُكمًا. فإذا كانت البيئة صحية، سيكون الشخص سويًا، وإذا كانت مضطربة، فستفجر الأعراض.


و... هذا كل ما أردت قوله.

وطبعًا، هذه وجهة نظري الشخصية لا أكثر.

Post a Comment

أحدث أقدم