لماذا أصبحت طموحاتنا سببًا لقلقنا ؟ ـ مجلة مارڤيليا.

 لماذا أصبحت طموحاتنا سببًا لقلقنا ؟

( مراجعة كتاب قلق السعي إلى المكانة )



بقلم: محمد منير 

متى كانت آخر مرة سألتَ نفسك هذا السؤال: ( ماذا أريد ؟ ) 

هذا السؤال طبيعي جدًّا وجزء من فطرة الإنسان.. لكن خلال السنوات العشر الأخيرة، ومع الانفتاح الهائل على الثقافات المختلفة، ترسخ لديّ انطباع بأن هذا السؤال أصبح شبه محرَّم، وأصبح مرفوضًا اجتماعيًّا أن تسأل نفسك هذا السؤال، ذلك لأن الهوس المسيطر على المجتمعات الحديثة حاليًّا هو السعي نحو المكانة والمظهر.. ولهذا، أصبح أغلب الناس قساة جدًّا على أي شخص تائه، لا يعرف ماذا يريد.


ففي العُرف الشعبي، من المفترض أن لكل إنسان طريقًا واضحًا منذ ولادته… وهذا الطريق هو السعي نحو المكانة الاجتماعية، وكل ما دون ذلك يُعدّ هراءً وضلالًا. وبما أننا اتفقنا على أن أغلبنا يسعى نحو المكانة، سواء برغبتنا أو مُرغمين، فهل السعي نحو المكانة أمر سهل في الوقت الحالي؟


دعونا نسأل أولًا: ما معنى المكانة أصلًا؟

المكانة، يا صديقي، أن ترى بعينيك تقدير الناس واحترامهم لك. وهذا التقدير مرتبط بشيء مهم جدًّا، وهو أن تكون محبوبًا ومَرغوبًا. والعجيب أن هذه الرغبة في الحب هي ذاتها رغبة الطفل الرضيع الذي يصرخ كثيرًا كي تستعيد أمه اهتمامها به بعدما انشغلت بأخيه المولود حديثًا… إنه يريد أن يجذب انتباهها ليعود محبوبًا ومثيرًا لإعجابها مرة أخرى.


لذلك، نحن لا نريد الوصول إلى المكانة بحد ذاتها… بل نريد الوصول إلى شيء بسيط جدًّا، وهو الحب الطفولي. لكن الأمر ليس بهذه البساطة… لأن هذا الحب الطفولي ليس سهل المنال، ولهذا تشعر بالقلق، لأنه احتياج عاطفي طبيعي مثل الطعام والشراب… ولكنك لم تحصل على هذا الاحتياج الفطري.


الفيلسوف البريطاني آلان دو بوتون في كتابه "قلق السعي نحو المكانة" وضّح أسباب هذا القلق بعمق، وقال إن له، من وجهة نظره، خمسة أسباب:


١ _ أنك تفترض أنك في يوم من الأيام لن تصل إلى النجاح أو المكانة، وبالتالي ستكون كارثة بالنسبة لك، لأن الناس سينظرون إليك على أنك لم تحقق شيئًا، وبالتالي لن يحبك أحد أو يحترمك… تشعر وكأنك لا شيء بدون نجاحك.



٢ _ الغرور والتكبّر الذي تراه في الأشخاص الذين أعلى منك مكانة… ومع ذلك، رغم غرورهم، لا يزال الناس يحترمونهم… وهذا يجعلك تشعر بأنك بحاجة دائمة لتحسين صورتك أو رفع مكانتك كي تحظى بنفس نظرات الاحترام.



٣_ أن تضع لنفسك طموحًا يفوق إمكانياتك بكثير… وهذا شائع جدًّا في السنوات الأخيرة، كأن تطمح لأن تصبح مليارديرًا بينما راتبك 2000 جنيه في الشهر… هذا ليس طموحًا، بل عبء. ولهذا، تجد نفسك تصطدم بقسوة الحياة وتشعر بالفشل، وهذا يسبب لك القلق.



٤_ أنك لا تكتفي بأن تكون جيدًا في مجالك فقط… بل يجب أن تكون مُبهرًا. ولهذا، لا يقبل كثير منا وصفه بـ"عادي"، لأنك تشعر لوهلة أن هناك فرصة ضائعة لتكون مبهرًا ومتميزًا، وهذا يعطّلك ويقلقك بدلًا من أن يدفعك للأمام.


٥ _ أن تكون كل أفعالك معتمدة على رأي الناس فيك… فمثلًا، تفكر في العمل بمجال معيّن لأنك تحبه وتشعر أنك تنتمي إليه… لكنك تتساءل: "ماذا سيقول الناس عني إن عملت في هذا المجال؟ هل سيتجاهلوني أم سيحبونني؟"



أما عن حل مشكلة هذا القلق، فيقول دو بوتون إن هناك عدة طرق:


أن تخرج خارج ثقافة القطيع والمسار المرسوم لك، وتحاول أن تفكر مع نفسك بشكل فلسفي: "هل رأي الناس مهم حقًا؟ هل أنا فاشل حقًا بدون مكانتي؟ ما هو معيار النجاح في المجتمع؟ وما هو معيار النجاح بالنسبة لي؟ ماذا أريد حقًا؟ وهل أنا مضطر لكل هذا؟" وهكذا دواليك . 


ينصحك دو بوتون بأن تلجأ إلى الفن للتعبير عن مشاعرك وحيرتك… اكتب قصة، رواية، ارسم، غني… المهم أن تستخدم الفن كوسيط للتعبير غير المباشر عن مشاعرك، حتى لا يلومك أحد.


الجميل أنه ركّز أيضًا على اللجوء إلى الدين كوسيلة لفهم نفسك… فالإسلام مثلًا يشجع على الاجتهاد والسعي، لكنه في المقابل يشجع على التواضع والرحمة والتسامح… حتى لو لم تصل لما تريده، يكفي أنك سعيت، وستنال أجرًا على ذلك في الدنيا أو الآخرة. ولو تأملت قوله تعالى: "وأن ليس للإنسان إلا ما سعى"، ستفهم ذلك أكثر.



وقد وضع حلولًا أخرى، لكنني أرى أن هذه الحلول الأخرى مثالية جدًّا وأفلاطونية… لذا، من الأفضل أن تقرأ الكتاب بنفسك لتفهم الأفكار مباشرة من الكاتب .

Post a Comment

أحدث أقدم