كيف يمكن للتفريغ الانفعالي أن يعالج المريض بشكل نهائي؟ (نموذج "لن أعيش في جلباب أبي")
بقلم: محمد منير
تخيلوا أن معظمنا كبشر يحمل في داخله كماً هائلاً من المشاعر التي لا نخرجها أبداً وقد تكون هذه المشاعر موجهة لأقرب الناس إلينا، سواء كانت مشاعر حزن أو كره أو غضب، إلخ لكن دعونا اليوم نركز على كبت المشاعر المتعلقة بإساءات الطفولة من المدهش كيف أن العقل يكون حساساً للغاية تجاه كل ما يتعلق بالأب والأم ربما يعود ذلك إلى الغريزة أو إلى التعلق بهما لأنهما كانا أول من رحب بنا في هذه الحياة لا أدري، ولكن إذا تعرض الشخص للإهمال في طفولته أو لم يتم تلبية احتياجاته من الحب والحنان، فإنه ينشأ هشاً وضعيفاً وتائهاً، مثل شخصية "عبد الوهاب" في "لن أعيش في جلباب أبي".
كان عبد الوهاب طوال أحداث المسلسل يحاول أن يوصل رسالة لوالده بشكل غير مباشر، مفادها مدى قوته وقدرته على الاعتماد على نفسه لكن لأنها رسالة غير واضحة، كان من الطبيعي ألا يفهمها والده، وربما حتى عبد الوهاب نفسه لم يكن مدركاً أن هذا هو الدافع الذي يحركه طوال الوقت على مستوى اللاوعي، جرب عبد الوهاب كل الطرق لإيصال تلك الرسالة؛ تزوج من امرأة أجنبية لا تشبه عائلته، وعمل في وظائف متعددة، وانضم إلى جماعات إسلامية المهم أنه في النهاية وجد نفسه تائهاً، إذ كان هناك سؤال في داخله لا يجد له إجابة: "ما قيمتي إذا كان والدي لا يحبني؟"
والأمر المثير للاهتمام أيضاً أن والده (عبد الغفور) كان يحاول إيصال رسالة غير واضحة أيضاً، وهي أنه يريد أن يكون ابنه أفضل منه كان يعاني من عقدة محفوظ ابن المعلم سردينة، الذي كان يرتدي البذلة في الوكالة وكان متعلماً، وكان يعامل عبد الغفور باحتقار. لذا، أراد عبد الغفور لابنه عبد الوهاب أن يحقق الحلم الذي رآه في بداية المسلسل، وهو أن يصبح شخصاً متعلماً ومرموقاً يرتدي البذلة ولكن كل هذا كان على مستوى اللاوعي لذلك، ظل الاثنان طوال المسلسل يعاند كل منهما الآخر عبر رسائل مشفرة، ولم يفهم أي منهما الآخر بناءً على ذلك، كان عبد الوهاب يشعر بالنقص أكثر وبالهشاشة النفسية، بينما كان عبد الغفور يشعر بالذنب لأنه لم يستطع تربية ابنه بشكل جيد، وكان دائماً قلقاً بشأن المستقبل.
إلى أن يأتي المشهد الأساسي في المسلسل، وهو التفريغ الانفعالي لمشاعر الابن وكذلك الأب مشهد صادق ومكتوب بحرفية عالية فجأة، وبعد موجة شديدة من الضياع، يتحدث الابن مع والده بصدق ويبكي، ويخبره أن مشكلته تكمن في عدم حصوله على حنان الأب لقد منحه المال والمكانة بين الناس، لكنه نسي الأهم، وهو الحب، الحب الحقيقي غير المشروط وبالمثل، اعترف الأب لابنه بأنه يحبه جداً ويريد له أن يكون أفضل منه، لكن ربما عقدة الفقر الشديد في صغره جعلته يعامل ابنه بقسوة لأنه لا يريد له أن يعاني كما عانى تخيلوا كمية المشاعر الهائلة التي كانت محشورة داخلهما وتتطلع للخروج، ليحدث حوار صريح بين الطرفين ويفهما بعضهما البعض بشكل حقيقي الأهم من ذلك، أنهما أدركا أن كلاً منهما يحب الآخر، لكن بسبب غياب الحوار الصريح بينهما، كان هناك دائماً سوء فهم.
وبعد هذا المشهد، حدث تحول في شخصيتي عبد الوهاب وعبد الغفور (Character arc). أصبح عبد الوهاب أكثر ثقة بنفسه، ولم يعد عبد الغفور قلقاً، وتلاشت العقدة التي كان يعاني منها إذا لم تكن قد شاهدت حالات نفسية واقعية تعاني من نفس المشكلة، فقد يصعب عليك تصديق التحول الجذري الذي حدث للشخصيات لكن صدقوني، العديد من الحالات تتعافى تماماً بعد تفريغ مشاعرها المكبوتة تجاه الأشخاص المؤثرين في حياتها ومع ذلك، أعتقد أن هناك رسالة أهم وهي ألا تحرموا أبناءكم من التعبير عن مشاعرهم لا تحلوا مشكلة واحدة وتغفلوا عن بقية المشكلات الحب العائلي هو أجمل أنواع الحب لأنه غير مشروط، حب لمجرد الحب.
إرسال تعليق