فيلم الحريفة - السينما تنتعش بدماء جديدة - مجلة مارڤيليا

 فيلم الحريفة.. السينما تنتعش بدماء جديدة .



كتب // محمد منير حمدان 

هل المشهد يعيد نفسه أم أن الشباب يتفوقون في كل عصر ؟ فعلى سبيل المثال مسرحية مدرسة المشاغبين عام 1972 كانت تحتوي على كم هائل من الشباب الجدد، شباب لديهم طاقات هائلة و نزوع إبداعي خالص، يتوقون للحظة التي سيقفون فيها أمام الكاميرا، و انظر ماذا حدث عقب هذه المسرحية، ظهر عادل إمام و سعيد صالح و أحمد زكي و يونس شلبي و هادي الجيار، و لكن هؤلاء الشباب عند مرحلة ما تتحول طاقاتهم من الإبداع إلى متابعة شباك التذاكر و النقد و الصورة الذهنية لدى الجمهور، و هذا يعني أن الفنان عند نقطة ما ينصرف ذهنه عن تقديم فنه إلى أمور أخرى، و ظهر ذلك في التسعينات حين كان عادل إمام و نور الشريف و محمود عبد العزيز يحتضرون، برز من العدم فيلم صعيدي في الجامعة الأمريكية عام 1998 و معه لاحت طاقات جديدة متأججة مثل محمد هنيدي و أحمد السقا و بقية الجيل الذي ظهر في بداية الألفينات، و الأن أعتقد أن ملامح الجيل الجديد لهذه الحقبة الراهنة بدأت تظهر، ففيلم الحريفة يثبت أن الزمن يعيد نفسه و أنه حتماً مهما كنت موهوباً لن يتركك الزمن و شأنك، المهم أننا الأن أمام حدث مهم زلزل السينمات هذا الشتاء و هو فيلم الحريفة .

    الفيلم لمخرج شاب و مؤلف شاب و فريق التمثيل مجموعة من الشباب و حقق 73 مليون بفارق كبير عن منافسيه في نفس الموسم مثل أحمد العوضي و محمد إمام .

    في ظني أعتقد ما جعل الفيلم يحتل الصدارة هو أن كل مكوناته أصلية، لا أقصد أنه فيلم يحمل قصة مبتكرة بل على العكس قصته مستهلكة جداً، لكن ما أقصده هو أنه فيلم مصري أصلي جاءت قصته من عقر البيئة المصرية الحية، و للدقة أظن هذا أكثر فيلم شبابي واقعي مصري في الفترة الأخيرة، و دائماً حين تأتي كلمة الواقع مع الفن فنحن بصدد التحدث عن التشاؤم و المشكلات الاقتصادية و الفيلم فعلاً يتحدث عن هذه الأمور لكنه لم يخجل من تبسيط الأجواء و تهيئة المشاهد لفيلم خفيف و ممتع .

    تبدأ قصة الفيلم مع ماجد لاعب الكرة المدلل الذي على ما يبدو يعيش بين أسرة أرستقراطية، و لسبب ما يتحول هذا النعيم إلى كابوس بسبب سر يقوله الأب لماجد فيقلب حياته رأساً على عقب، أعتقد أنك تقول الأن أنها قصة تقليدية عن الشاب الذي يُعاقبه القدر بسبب أفعاله، و لكن دعني أصدمك أن القصة ليست هكذا تماماً، فعمق القصة هو تعريف الصداقة و الحب و التضحية و الوفاء و الاحترام، كل هذه المعاني السامية يمكن أن يلتمسها الُمشاهد بسهولة .

    و إن كان لا بد أن نتحدث عن الأداء التمثيلي لأبطال الفيلم، فباختصار كل فرد في هذا الفيلم قام بواجبه و أكثر، لدينا نور النبوي بطل الفيلم أداءه هادئ و لم يفتعل الانفعالات، و أحمد بحر الشهير بكزبرة روحه تذكرني كثيراً بمحمد هنيدي في بداياته، و عبد الرحمن محمد بتلقائية و خفة خطف الأضواء في بداية الفيلم، و ضيوف شرف الفيلم أمثال بيومي فؤاد و أحمد حسام ميدو و فراس سعيد، كل هؤلاء كانوا في أفضل أحوالهم، أما الأداء الأبرز في الفيلم فيذهب بكل تأكيد إلى أحمد غزي الذي قام بدور ششتاوي، شخصية مركبة و مليئة بالكثير من الطبقات، و استطاع غزي إيصال هذه الطبقات بكل سلاسة و أعطاها الكثير من روحه و كان هذا واضحاً في عديد من المشاهد، لو قلت لك أنني أريد فيلماً منفرداً يتحدث عن الشخصية فلن تصدقني، و أغلب الظن لأنك تتعامل مع الفيلم على أنه دون المستوى .

    و لا أنكر دور المؤلف إياد صالح الذي صاغ هذه القصة المثيرة و المؤلمة في أن في إطار بسيط و شيق، فالمؤلف لا يتركك تفكر فيما سوف يحدث بل إن إيقاع القصة يتبدل مع كل فصل تقريباً، الشيء الوحيد الذي يعاب على القصة هو التسرع في إبراز الصداقة بين الشباب، أحسست أن الأمر كان من الممكن أن يُمهد له بشكل أفضل لأن المواقف لم تأخذ الحيز المطلوب و استعاض المؤلف عن هذا التسرع بالتعليق الصوتي لشخصية البطل على الأحداث و هذه أداة ذكية جداً و لكنها لم تعوض التسرع، و الأمر ليس مزعجاً للدرجة التي أتحدث بها بل إن أجمل ما في الفيلم هو روح الصداقة و لكن ما أحاول طرحه هو أن التمهيد كان من الممكن أن يكون أفضل من ذلك .

    و لا ننسى دور الموسيقى التصويرية الخاصة بالفيلم، و هي من صنع موسيقار شاب مخضرم اسمه الوايلي و أعتقد أنك ستتعرف عليه فور أن أقول لك أنه صانع موسيقى مسلسل سفاح الجيزة، لكن هنا الأمر مختلف فالموسيقى شبابية و حماسية و لكنها ليست مقحمة بشكل فج، بل إنها وُضعت في مكانها الصحيح لتدافع عن كل مشهد .

    أما مخرج العمل رؤوف السيد فيُحسب له أنه صنع أفضل فيلم كروي في تاريخ السينما المصرية، و هذا لا يعني أنه استطاع تصوير المشاهد الحركية الخاصة بالكرة بشكل جيد بل إنها في أغلب الأحيان مربكة و قطعات المونتاج ليست سلسة، لكن ما أود قوله رغم كل ذلك أن تكنيكات التصوير مبتكرة و جديدة على السينما المصرية خاصة مع بداية كل مباراة .

    أظن الفيلم لم يطمح لما وصل إليه الأن في شباك التذاكر و الإقبال النقدي، و لذلك قرر صناع العمل أن يقوموا بعمل جزء ثاني لهذا الفيلم و هي خطوة أشجعها جداً، لأنه و باختصار أحببت هذا الفيلم جداً رغم أنني لا أحب الكرة .

Post a Comment

أحدث أقدم