لماذا عندما نركّز على شيء معيّن، نجد أن الجميع بدأ يركّز عليه أيضاً؟ - مجلة مارڤيليا.

لماذا عندما نركّز على شيء معيّن، نجد أن الجميع بدأ يركّز عليه أيضاً؟ 


 

بقلم محمد منير 

الحياة مليئة بتفاصيل لا نهائية، ومن المستحيل على الدماغ أن يدرك هذا الكمّ الهائل منها على سبيل المثال، أنت الآن تقرأ هذا المقال، ولكنك لا تركّز على معظم التفاصيل التي تحدث من حولك وأنا هنا أقصد أدقّ التفاصيل، كأن يمرّ أحد الأشخاص بجانبك مرتديًا نوعًا معيّنًا من الملابس تعتقد أنه نادر، أو أن ترى سيارة تظنّ أنها من طراز غير شائع.

ما أريد قوله هو أن كل شيء موجود حولك بالفعل، ولكنك لا تلاحظ ذلك لأن دماغك – كما قلت – انتقائي، ويركّز فقط على التفاصيل التي يعتبرها مهمّة في حياتك فمثلاً، إن كنتَ أخصائيًّا نفسيًّا، فستلاحظ وأنت تسير في الشارع يافطات العيادات النفسية أكثر من غيرها وإن كنتَ نجّارًا، فستركّز في كل تفاصيل الخشب من حولك وإن اشتريت هاتفًا جديدًا، فستشعر فجأة بأن معظم الناس يمتلكون نفس الهاتف أو يتحدّثون عنه.

ولذلك، من غير المستغرب ما يحدث لنا جميعًا، وهو أنك عندما تبدأ بالاهتمام بشيء معيّن، تشعر أن الجميع أصبح مهتمًّا به أيضًا، أو تلاحظ أنّ هذا الشيء بات يظهر أمامك في كل مكان وهذه الظاهرة تُعرف باسم تأثير بادر-ماينهوف (Baader–Meinhof Phenomenon).

فما معنى ذلك؟ ❓ هو نوع من أنواع التحيّز المعرفي، بمعنى أن دماغك يصبح متحيّزًا للتفاصيل التي تفكّر بها فإذا بدأت مثلاً في القراءة عن الاكتئاب، ستلاحظ فجأة أن الجميع أصبح يتحدّث عن الاكتئاب، وأن معظم المنشورات التي تراها تتعلّق به في تلك اللحظة قد تشعر بأنك قد فقدت صوابك أو أن الكون يتآمر ضدك! ولكن في الحقيقة، لا جنون في الأمر.

يشبه هذا تمامًا ما نفسّره للمرضى المصابين بالاكتئاب؛ بأنهم يرتدون "نظّارة سوداء" يرون الحياة من خلالها، ولذلك تجد أن دماغ مريض الاكتئاب يركّز على التفاصيل المأساوية في حياته، لأن هذا ما يشغل تفكيره أصلًا.

وستلاحظ هذا أيضًا لدى الأشخاص المصابين باضطراب الشخصية شبه الفصامي (Schizotypal Personality Disorder)

 هؤلاء غالبًا ما يكون لديهم اهتمام شديد بنظريات المؤامرة، وما وراء الطبيعة، والحاسة السادسة، وغير ذلك فعندما يقرأ أحدهم عن "الماسونية" للمرة الأولى، يبدأ بملاحظة أن هذه الكلمة تتكرر أمامه كثيرًا وهنا تكمن المشكلة، إذ يقتنع تمامًا بأن هناك أمرًا غريبًا، وأن الكون يرسل له رسائل، في حين أنه لو فكّر للحظة وحاول أن يرى الصورة الكاملة، سيكتشف أن هذه الكلمة منتشرة بالفعل، لكنه لم يكن يركّز عليها من قبل.

ومن هنا تظهر أهمية الاختبارات الإسقاطية ففي هذه الاختبارات، يُطلب من الشخص أن يفسّر صورة ما، ولكن كل شخص يراها بطريقة مختلفة حسب نمط تفكيره.

ولماذا من المهم أن نعرف ذلك؟ ⁉️

 لأننا غالبًا ما نصدّق أدمغتنا ونظنّ أنها ترى كل شيء فمثلًا، إذا كنتُ أعاني من الرهاب الاجتماعي (Social Anxiety) وطُلب مني أن أقدّم محاضرة، فإن دماغي سيبدأ تلقائيًّا في اختيار كل الإشارات التي تؤكّد فكرتي أن الناس ستسخر مني، مثل (أن يتغيّر تعبير وجه شخص ما وكأنه على وشك الضحك، أو أن أحدهم بدأ بالسعال) هذه الإشارات قد أفسّرها على أنها دليل حيّ على فشلي.


وإذا أخذنا مثالًا آخر، كمريض يُعاني من الوسواس القهري المرتبط بالنظافة، فلو قرأ مقالًا عن فيروس كورونا، وذكر المقال أن من أعراضه الصداع والسعال والحمّى، فإن دماغه سيبدأ تلقائيًّا بملاحظة هذه الأعراض لدى كل من حوله، فيشعر بالقلق والتوتر، ويبدأ بغسل يديه بشكل مفرط مع أن هذه الأعراض شائعة بين الناس طوال الوقت، سواء كانت مرتبطة بكورونا أم لا. 


و إلى هنا ينتهي الحديث .

Post a Comment

أحدث أقدم