كيف ترى نفسك ؟ الأزمة التي تهدد عالمنا. ¦ مجلة مارڤيليا ¦

 كيف ترى نفسك ؟

الأزمة التي تهدد عالمنا .



بقلم : محمد منير 

    يراودني دوماً سؤال لطالما حاولت البحث عن إجابته، و هو هل التجارب الحياتية هي التي تصنع الإنسان أم أن الإنسان هو الذي يصنع التجارب ؟ و في عالم ما بعد الحداثة يندر أن يجد الإنسان متنفساً ليتأمل تجربته الحياتية و يرى ما جناه و ما خسره، أغلب الظن أنك تقرأ هذا المقال و لا تعرف عن ماذا أتحدث، العنوان غامض بالنسبة لك، لأنك لا تأخذ أنفاسك بين الحين و الأخر لترى نفسك في المرآة .

    هل تعرف نوبة البكاء التي تنتابك بعد نهاية كل يوم و أنت تبحث عن الراحة و لا تجدها، كان من المفترض أن تأتي التكنولوجيا و تجعل حياتنا أفضل، لكنها للأسف أظهرت كم هشاشتنا و ضعفنا أمام أنفسنا و رغبتنا الملحة في أن يرانا أحد فقط، حتى و لو كنا نقول كلاماً تافهاً أو نزيف حقيقتنا بالصور المصطنعة و الضحكات العابثة، ما لا تعرفه عن هذه الأمور هي أنها جعلتنا جميعاً نرى أنفسنا بشكل خاطئ و نحسد الآخرين على أشياء بلا معنى، مثلاً أنت تقلب منشورات مواقع التواصل لتجد شخص يتم الاحتفاء به لا لشيء سوى أنه فعل شيء أنت لا تستطيع فعله حتى لو كان شيئاً تافهاً، ترى صورة شخص منهمك في عمله و يبتسم و إضاءة الصورة مبهجة و هو يجلس في مكان راقٍ، ثم ترى صورة رجل و إمرأة يبتسمون بإضاءة مبهجة أيضاً و تحت الصورة كتب الرجل أن زوجته أجمل امرأة رآها في حياته .

    هذا مثال على مجموعة من الصور التي تؤثر على حكمك على الواقع، لكن لك أن تتخيل يا صديقي أنك ترى عشرات الصور كل يوم على هذه الشاكلة، المشكلة أنك تتصور أن هذه الصور لا تؤثر عليك، هذه الصور تكون رابضة في اللاوعي و تجعل حكمك على نفسك دائماً بشكل خاطئ، بالتأكيد في بعض الأحيان تأتيك فكرة سلبية بلا سبب مثل ( أنا فاشل )، هل تعرف من أين جاءت هذه الفكرة ؟ لقد جاءت نتيجة كم هائل من الأفكار المخزنة حول النجاح، هل تذكر صورة الرجل و المرأة، أنت لم تكن واعياً بكونك شعرت بالسعادة بعد مشاهدتك لهذه الصورة، مخك سجل هذه الصورة كنوع من السعادة المرتبطة شرطياً مع هذا النوع من الحياة، و طبق هذا على كل شيء، المقارنات دائماً ما ستجعلك فاشلاً لأنك حتماً ستكون ضعيفاً أمام شخص ما في وقت ما، لكن المشكلة هي أن وسائل التواصل توهمك أن الطريق للوصول لهذا الشكل سهل، كما أنها توهمك أن الهوية التي يظهر بها الإنسان إلكترونياً هي هويته الحقيقية، معظم الأشخاص يلتقطون صورة لإنجازاتهم حتى لو كانت تافهة و يحاولون أن يبدو كل شيء مثالي في هذه الصورة من حيث الشكل و الإضاءة و الكلمات المكتوبة .

    هل الأمر ينتهي عند هذا الحد ؟

    بالطبع لا فأنت ترى هذه الصور لفترة طويلة، هل فهمت الفكرة الآن ؟ فشل وراء فشل وراء فشل، مزيد من الأفكار ثم مشاعر سلبية و بعدها تفترض عن نفسك حقيقة موجعة و هي أنك فاشل، و هذه الحقيقة بدورها نتعكس على سلوكك، فأنت بدلاً من كونك تبحث عن حلول لمشكلاتك و تكد حتى تصل إلى طموحاتك تجد نفسك واقفاً على الحافة، فأنت أقررت بأنك فاشل جملة و تفصيلاً لأنك لن تصل أبداً إلى هذا النموذج الإلكتروني المثالي التي تتطلع للوصول إليه حتى ترى التفاعلات على منشوراتك و التشجيع و الفخر في عيون الجميع، هذا الأمر يشبه تماماً تجربة مارتن سليجمان .

    سليجمان هو عالم نفس أمريكي أجرى تجربة ما زلت مثيرة للجدل حتى اليوم، هذه التجربة تبين كثيراً فحوى الاكتئاب، قام سليجمان بوضع مجموعة من الكلاب في مكان ما بحيث لا يستطيعون الخروج من هذا المكان، ثم عرضهم لمجموعة من الصدمات الكهربية الطفيفة و كان الكلاب يحاولون الهرب في كل مرة و لكنهم لا يستطيعون، و في نفس الوقت وضع سليجمان مجموعة أخرى من الكلاب في مكان أخر لكن كان بإمكانهم الهرب، و لذلك بعد تعريض هذه الكلاب للصدمات هربوا فوراً .

    و لكن ما الشيء الغريب في هذه التجربة ؟

    قام سليجمان بوضع كلاب المجموعة الأولى ( الحبس ) في مكان أخر بحيث يمكنهم الهرب، و عاد مرة أخرى لتعريضهم للصدمات الكهربية، لكنه بوغت بسلوك الكلاب، الكلاب لم تتحرك من مكانها بل استسلمت للصدمات الكهربية و كأن هذه هي حياتها، و منها خرج سليجمان لنا بنظرية العجز المكتسب، أي أنك تكتسب صفة العجز نتيجة للمواقف السلبية التي تعرضت لها، فمثلاً أنت فشلت في امتحان ما ثم أعقب ذلك الامتحان امتحان أخر فشلت فيه و هكذا دواليك، حتى افترضت صورة عن نفسك بأنك فاشل في كل شيء في الحياة .

    و لكن بالنسبة لموضوعنا فأنت تقارن نفسك بصور إلكترونية، و تعرض نفسك لمواقف تجعلك تصل لهذه الصورة، ثم تفاجئ بأنك فشلت في الوصول لهذه الصورة، إما لأنها كانت صورة وهمية و غير موجودة في الواقع و إما لأنك اكتشفت متأخراً أنك ضعيف، و الضعف يكون مؤلماً لكنه يجعله تعرف قدراتك و تحاول تطوريها، المهم أن نتنبه إلى ما تراه و ما تشاهده لأنه يؤثر على حكمك على نفسك و الواقع .

Post a Comment

أحدث أقدم