كتب // محمد منير حمدان " أخصائي نفسي"
نظرة عميقه حول الازمات النفسيه داخل الأسرة.
كل إنسان في هذه الحياة لديه أزمة خُلقت من أجله، فلا يوجد إنسان لا يعاني و لكن تتفاوت الشدة و درجات التعامل مع المشكلة، و حين نتحدث عن الأسرة فحتماً كل طرف يظن أن مشكلاته هي أكبر مشكلات و أنه يضحى من أجل سلامة البيت، لكن تعال و الق نظرة حول ما يحدث داخل البيت الواحد و أنت لا تعلم عنه شيء .
الإعلام الحديث روج لفكرة أن فترة المراهقة هي فترة التحولات الكبرى، و هذا صحيح إلى حدٍ ما، ففي هذه المرحلة يحدث انفجار هرموني لكلا الجنسين مما يتسبب في عدة أزمات، لكن ما أريده إيضاحه هنا أن هذه التغير الهرموني يحدث للإنسان طوال حياته و يؤثر أيضاً على مزاجه و سلوكه، و سأحاول إيضاح الأمر ببساطة .
أولاً في حالة الفتاة المراهقة فإن الانفجار في هرمون الأستروجين يجعل جسدها يتغير تماماً و تبرز لديها الأعضاء التناسلية، و تكون لديها أزمات عسيرة في هذه المرحلة، منها أنها تشعر بالراحة كونها أصبحت ترى نفسها فتاة فعلاً و التناقض هنا أنها أصبحت تتحفظ في التعاملات مع كل من في البيت، فمثلاً لو كان لديها أخ ذكر فإنها تشعر بالريبة تجاهه لأن عقلها لا يستوعب أنها طفلة في جسد امرأة، و الأصعب أنها تفاجئ بشيء مقزز يُفرز لديها كل شهر Peroid فتحاول البحث عن إجابات لدى الجميع لتهرع إلى الأم لأنها من نفس الجنس، لكن للأسف بعض الأمهات ينهرن بناتهن حين يتحدثن عن هذه الأمور و من هنا تبدأ عاصفة من التوتر و الغضب المستمر لدى الفتاة .
أما الابن ففي مرحلة البلوغ يبدأ هرمون التيستوسترون في تضخيم العضلات و نمو الأعضاء التناسلية الذكورية، و الأبرز هو نمو شعر الوجه و تغير الصوت ليصبح أكثر خشونة، المشكلة هنا تكمن في أنه كما الفتاة طفل في جسد رجل، لكن الأزمة ليست في ذلك بل إن بعض الذكور يشعرون ببعض التلذذ كونهم أصبحوا كباراً، المشكلة الحقيقة في حجم المسئوليات التي بدأ بالشعور في أنها فُرضت عليه، يشعر أنه أصبح عبئاً على عائلته، و يتم وضعه قهراً في مواقف اجتماعية ما زال غير مهيأ لها لأن تصرفاته ما زالت هوجاء، فهو ما زال يريد اللهو و اللعب دون تحمل أي مسئوليات .
و من المعروف أن المراهق يبحث عن الاستقلال و يبدأ في فهم آليات التعامل مع الطرف الأخر، الشيء السلبي في ذلك أن الأزمات التي ذكرناها سابقاً إذا لم يتم التعامل معها بشكل جيد فإنه المراهق سوف يتبع استراتيجيات تعويضية لتخطيها، فمثلاً قد ينحرف عن تقاليد العائلة كونه لا يشعر بالأمان بينهم لأنه لا أحد يفهمه أو يحاول فهمه، أو يظن أنه يحب الطرف الأخر فيغرق في مشاعر ليست حقيقية و ذلك من أجل البحث عن الأمان أيضاً .
لكن ماذا عن الآباء ؟
أولا في حالة الأم، فإن التغير الطارئ عليها يحدث قبل و أثناء و بعد الولادة، ففي هذه المرحلة قد يحدث خلل في هرمونات السعادة مثل السيرتونين و الدوبامين و الإندورفين فتشعر المرأة بالاكتئاب و القلق قبل الولادة، و هو شيء طبيعي فهي مقبلة على تجربة جديدة و المخ يتعامل بحذر تجاه أي تجربة جديدة، لكن هنا الأمر مختلف، فقد تطرأ عليها تغيرات مزاجية فتكون سعيدة لأنها ستنجب طفلاً و من ناحية أخرى يُشعرها ألم الحمل باليأس فتغضب لأتفه الأسباب، و من المهم في هذه المرحلة أن يستوعب الزوج ما تمر به، أما بعد الولادة فشائع جداً أن تأتي للمرأة ما يسمى باكتئاب ما بعد الولادة، فتجد نفسها تبكي دون سبب و تنفر من الطعام و لديها خلل في كمية النوم، و قد يتطور الأمر إلى ما يسمى ذهان النفاس فيُلاحظ على المرأة أنها تتوهم أن طفلها تبدل في المستشفى.. و لن أعيدها ثانية أن من المهم أن يدعمها الزوج و يشعرها بأنه يحبها فعلاً فإذا لم يأت ذلك بنتيجة فيجدر الذهاب إلى الطبيب النفسي.. و جدير بالذكر أن هناك تحول هام أيضاً لدى المرأة و هو سن اليأس، فتشعر في أواخر الأربعينات بالقلق و التوتر و أحياناً نوبات من ضيق التنفس و الاكتئاب.. و ذلك نتيجة لانقطاع الطمث .
أما مشكلة الرجل فتكمن في الكبت، فكما يعرف أغلب الناس أن أمام كل رجل يصاب بالاكتئاب هناك ثلاث نساء يصبن به، و أعتقد أن هذه النسبة جاءت نتيجة أن المرأة لديها قابلية للشكوى أكثر من الرجل، و يمكن توضيح ذلك من خلال نسبة الانتحار فأمام كل امرأة تنتحر هناك ثلاث رجال ينتحرون، إذن فأزمة الرجل هي عدم التنفيس الانفعالي لما يعتمل بصدره، و لكن يكون الأمر واضحاً عليه في أزمة منتصف العمر، فتنتابه مشاعر مستمرة من الحزن و اليأس و تقلب المزاج و الحنين للماضي و الندم على
اختياراته، و بعد إحالاته على المعاش تتنامى هذه المشاعر لتصل للذروة، فيحس بأن ما كان يكافح من أجله طوال سنين عمره لم يكن ذا معنى، كان يتظاهر بالرجولة و الجفاف العاطفي فاكتشف أن العمل الذي كان يخبئ فيه كل آلامه لم يعد موجوداً، بل يشعر أنه أصبح عجوزاً و بلا فائدة .
و هناك بحث نُشر في مجلة العلاقات الشخصية يقول بأن الرجل يحس بالرضا عندما يرى نظرات الاحترام في عيون زوجته، أما المرأة فتحس بالرضا عندما تشعر أن زوجها يشعر بها و يهتم بعواطفها، و هذا يعطينا مؤشر لشيء هام جداً و هو أنه إذا لم يحدث تفاهم داخل الأسرة لمعاناة كل فرد سيتأجج البيت و يتحول إلى ساحة عراك .
ضروري جداً أن يكون هناك حوار متحضر بين كل أفراد الأسرة، و أنا لا أقصد طرف بذاته، فكما ذكرنا فكل شخص يعاني بمقدار .
إرسال تعليق