كتب // محمد منير حمدان
منذ سنتين تقريباً، قام المخرج بيتر ميمي بنشر إعلان على صفحته بأنه سيقوم باخراج عمل ضخم و هو " الحشاشين "، كان إعلاناً صادماً في البداية لأن قراء قصة الحشاشين تاريخياً يعلمون أن القصة تحتمل تأويلات عديدة، فأي تأويل سيختاره صناع العمل لعرضه، و الذي زاد من الحماس تجاه هذا المسلسل هو الكاتب عبد الرحيم كمال الذي ذاع صيته في الآونة الأخيرة، فهو كاتب مسلسل ونوس و الرحايا و الخواجة عبد القادر و جزيرة غمام و العديد من الأعمال الرائعة، و مدير التصوير حسين عسر الذي ارتبط اسمه ببيتر ميمي في أعمال مثل حرب كرموز و الأب الروحي و الاختيار، و أضف على ذلك الموسيقار التونسي أمين بوحافة الذي ارتبط اسمه بأعمال مثل جراند أوتيل و الأب الروحي و ونوس، و من جهة الإنتاج لديك تامر مرسي و هو منتج مشهود له بالمجازفة بالميزانيات الضخمة، لكن هل كل هذه المقومات كفيلة بخروج عمل لا ينسى ؟
بدأ المسلسل بحلقة أولى جيدة تبعتها مجموعة من الحلقات المقبولة رغم إيقاعها الممل إلى حد ما و طريقة السرد المربكة، لكن بعد الوصول إلى الحلقة السادسة تغير الأمر تماماً، أًصبح المسلسل مثير للاهتمام فعلاً، الحلقات إيقاعها أصبح أسرع و استهل المؤلف أخيراً في بيان ملامح الشخصيات، باختصار المسلسل أصبح لا يقاوم، لكن كان لدي بعض المآخذ على هذه الحلقات مثل الحوارات المملة أحياناً و بعض الأداءات غير الموفقة، لكن عندما شاهدت الحلقة الحادية عشرة تغير منظوري تماماً نحو المسلسل، أصبحت أتغاضى عن كل العيوب بل و همت عشقاً في تفاصيل هذا العالم، و كنت أتشوق لما يمكن أن يحدث بعد ذلك و بالفعل المسلسل كان يكافئني في كل حلقة بمفاجأة لم تكن بالحسبان، و لاحظت فعلاً أن القصة أخذت المنحى الذي كنت أريده، أحداث سوداوية و فلسفة و تضحيات و عنف .
لكن مع مرور الحلقات و بالتحديد حين وصلنا إلى الحلقة العشرين، تغير إيقاع المسلسل و أصبح مملاً مرة أخرى، و لكن للمفاجأة لم يطل هذا الملل طويلاً بل سرعان ما أحكم المخرج سيطرته على الأحداث حين أنعشها بالحلقة الثالثة و العشرون و الرابعة و العشرون، و وصولاً إلى نقطة الانفجار التي جعلتني أعشق هذا العمل فعلاً و هي تحولات الشخصيات، كم أعشق المؤلف الذي يجعلني أتوحد مع الشخصيات و أحس برحلتها بل و أتفهم القناعات التي جعلتها تتغير بهذه الطريقة و هذا ما يسمى عند معشر القصاصين بمنحنى الشخصية، و انتهت القصة و أنا راضٍ تماماً عما شاهدته .
لكن يجب أن نتكلم عن الأداء التمثيلي المذهل من أغلب الشخصيات و على رأسهم كريم عبد العزيز، لوهلة كنت أظن أنه غير مناسب للدور لكن بعد تحول شخصيته أصبحت أراه الأنسب لأداءه و لقد بهرني أداءه في الحلقات الأخيرة، و لدينا أدوار ثانوية رائعة مثل زيد بن سيحون الذي أداه أحمد عيد بسلاسة و اتقان شديدين، و كذلك الحال مع فتحي عبد الوهاب و هو ليس جديداً عليه، و برزك أميد الذي كان لديه تحدي في مشاهد المعارك فضلاً عن أداءه الدرامي و أتصور أنه نجح في الاثنين ببراعة و خاصة مشهده في الحلقة السابعة الذي لا يُنسى، و لقد تفاجأت بعدة أداءات مثل عمر الشناوي في دور باركياروك و ميرنا نور الدين في دور دنيا زاد، و الأداء الأبرز في المسلسل من وجهة نظري هو أحمد عبد الوهاب في دور يحيي، مجهود رهيب بذله هذا الممثل ليجعلك تحب هذه الشخصية رغم أنها كانت مملة في البداية و من استطاع رصد تحوله في الحلقات الأخيرة سيندهش حين يدرك أنه فعلاً ممثل متمكن، و باقي الأداءات من جيد جداً إلى ممتاز، لكن لي تعليق بسيط على شخصية عمر الخيام، و لن أقول الكلمات المعتادة بأن نيقولا معوض أداءه سيء، المشكلة تكمن في كتابة الشخصية بهذه الطريقة فعبد الرحيم كمال لديه بصمة معينة في كل أعماله و هي الشخصية الحالمة التي تقتحم الأحداث و أحياناً ما يكتبها جيداً مثل شخصية عرفات في جزيرة غمام، أما هنا فالوضع مختلف تماماً لأن الشخصية غير مؤثرة في الأحداث بل هو غريب في عالم غريب، الشيء الوحيد الذي جعلني أحب هذه الشخصية و لو قليلاً هو علاقته بأصدقائه نظام الملك و حسن الصباح، لكن المشكلة ليست في نيقولا معوض، هي مشكلة كاتب و مخرج لأن المؤلف يجب أن يستبصر بنفسه حين يكتب فلا يسهب في وضع قناعاته على الورق و المخرج يجب أن يختار الممثل الأنسب للدور لأن نيقولا غير متقن للكنة المصرية تماماً.
و الأمر اللافت فعلاً في المسلسل هو الصورة البصرية، أكاد أجزم أن هذه هي أفضل لوحات فنية رأيتها في تاريخ الدراما المصرية، و هذا ليس جديداً على حسين عسر مدير التصوير المبدع، أما الموسيقى التصويرية الصوفية الرائعة التي لحنها المتمكن أمين بوحافة، موسيقى شاعرية و حالمة و ملهمة، تعطيك انطباع غريب بأنك تشاهد مسرحية إغريقية معاصرة، و لا يجب أن أتغاضى
عن المجهود الذي بذله تامر مرسي في انتاج هذا المسلسل، شكراً تامر مرسي
و أتمنى ألا تنصاع للذوق العام و تنتج أعمالاً دون المستوى .
و بالتأكيد لن أنسى بيتر ميمى و طموحه الجامح الذي لا ينضب، أنا أراقب أعمال هذا المخرج منذ فترة طويلة جداً و أدرك أن بدايته لم تكن تبشر بأنه مخرج أصلاً فما بالك بمخرج جيد، لكن سأقولها بأعلى صوتي بيتر ميمي من أهم مخرجين السينما المصرية في التاريخ، و مثال حي لكل إنسان يحب عمله و يجازف بكل شيء حتى يثبت نفسه، شكراً بيتر .
كنت أريد أن أسهب في بعض عيوب المؤثرات البصرية و الحوارات التي لم تكن موفقة أحياناً، لكنني هكذا أكون ناكراً للجميل، عمل رائع أحببته من كل قلبي و هو شمعة مضيئة وسط غياهب الفن الهابط الذي نراه اليوم، أتمنى أن يكون هذا العمل أداة للفت نظر صناع الدراما أن المنتَج المصري ما زال قادراً على المنافسة العالمية و الإبهار .
إرسال تعليق