خبايا المخ البشري - مجلة مارڤيليا.

 هل تعرف مخك البشري حقاً ؟



كتب // محمد منير حمدان 

    رغم كل الجهود التي يبذلها علماء الأعصاب كل يوم في فهم آلية عمل المخ البشري، إلا أن الغموض ما زال يحوطه بحيث إنك حين تتأمله بعد كل بحث جديد تجد أنك لم تكن تعرفه جيداً، كيف لهذا العضو الذي يمثل 2% من وزن الجسم أن يستهلك 20 % من الطاقة الإجمالية التي للجسم .

    كما أنك تحتار حين تعرف أن ذاكرة المخ ليست مثل ذاكرة الهاتف، فذاكرة الهاتف أنت تسجل فيها ما تريد، أما المخ فيسجل ما يريده هو، لأنه لا يعمل بمنأى عن المشاعر و الأفكار، بل إنه حين يسجل حدث يكون ذلك مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بشعور ما أو فكرة ما، فمثلاً لماذا يعاني مرضى اضطراب ما بعد الصدمة PTSD من أن الحدث الصادم لا يمكن نسيانه بكل تفاصيله مهما مرت السنوات، كما أن المخ يستخدم استراتيجية التجنب تجاه أي شيء له علاقة بالحدث، بمعنى أن المخ يعطيك إحساس زائف بأنك إذا تعرضت لأي يخص الذكرى المؤلمة فإنك سوف تتذكر كل المشاعر و الأفكار المؤلمة التي تخيفك، هذا يعني أن المخ يحميك أليس كذلك ؟

    في الحقيقة المخ يحميك فعلاً و لكن بطريقة غبية كما يقول طبيب الأعصاب دين بيرنت، فرغم أن المخ تطور بشكل مخيف و أصبح يتعامل مع متغيرات الحداثة مثل العمل بميعاد و النوم بميعاد و ارتداء الملابس المناسبة في المكان المناسب، إلا أنه ما يزال محتفظاً ببعض رواسب الحياة القديمة، و لقد ذكرت هذا الأمر في مقالات عديدة، فالمخ في العهود الأولى لوجود الإنسان على الأرض كان يواجه الحيوانات طوال الوقت و شغله الشاغل البحث عن الطعام، و لذلك كان قلقه منصباً نحو الطبيعة و لم يكن مستقراً في مكان واحد، و عندما تعلم الزراعة استقر و سكن في مكان واحد، لكن في اعتقادي أظن أن المخ عند لحظة ما بدأ يتجنب كل ما يتعلق بذكرى الحياة القاسية غير المستقرة بين الحيوانات، و لذلك تدريجياً بدأ الإنسان يطور نفسه لأنه يريد تغيير كل ما يتعلق بالواقع من حوله، لأن الواقع مخيف و له ذكرى قاتمة في مخه، هذا بالضبط ما يحدث في مخك حين يتجنب أي ذكرى خاصة بالصدمة، هل هذا يعني أن المخ خُلق ليطور الإنسان بكل الطرق حتى لو كانت طرقاً سلبية ؟

    لا أستطيع الإجابة بالتحديد، لأن التطور له تعريف مستقل عند كل شخص، لكن في رأيي أرى أن التطور هو المجاهدة في تطوير النفس و البيئة من حولك و عدم التحجيم أو التضخيم من قيمة الأحداث، لكن أظن أن المخ لن يصل إلى هذا الأمر أبداً، و أنا لستُ متشائماً بقدر ما أنا واقعي، لأن وصول الإنسان لهذا الأمر يتطلب منه التحكم في كل الشبكات العصبية المخية و هذا مستحيل، الإنسان أصلاً لا يعرف أي شيء عن العمليات التي يجريها المخ داخلياً، و قد يراودك سؤال الأن عما يحدث داخلياً ؟

    في البداية لا بد أن تعرف أن المخ يتكون من 100 مليار خلية عصبية، عدد مخيف أليس كذلك ؟ و قد لا تتخيل حجم التلف الذي يحدث لهذه الخلايا كل يوم و أنت لا تدري، فأنت حين تمر بفترة إجهاد أو قلق فإن نسبة الكورتيزول تزيد في الجسم، و هذا الهرمون بطبيعته يقوم بإتلاف الخلايا العصبية و خاصة في منطقة الحصين Hippocampus و هي المنطقة المسئولة عن الذاكرة و التعلم، و لذلك ليس غريباً أن يُلاحظ على مرضى القلق كثرة الشكوى من النسيان و عدم القدرة على التركيز .

    هذا مثال بسيط لكنني أريدك الأن أن تتعرف على تكوينات المخ .

    خلف الجبهة مباشرة يوجد الفص الجبهي وهو المسئول عن التفكير المنطقي و كبح الأفكار الخاصة بالغرائز و هو أيضاً مسئول عن قدرتك على الخيال و تشغيل حواسك، و هو أكبر الفصوص المخية كما أنه_ في اعتقادي_ هو الذي يفرق بيننا و بين سائر الكائنات .

    و بعده مباشرة في منتصف الرأس يوجد الفص الجداري المسئول عن إدراكك لدرجة الحرارة و اللمس، أما الفص الصدغي فهو مسئول عن تحليل المشاعر و الوعي بالأصوات و تخزين المعلومات .

    أما الفص القفوي و هو من اسمه يعني أنه موجود خلف الرأس، و هو مسئول عن تلقي المعلومات من شبكية العين، باختصار هو مسئول عن الرؤية و تحليل المؤثرات البصرية التي يراها من حوله .

    جزء من الحيرة في دراسة المخ أنك قد تتصور أن كل فص مستقل بذاته و يقوم بهامه فقط، و هذا خاطئ، فالمخ شبكة معقدة تتضافر كلها في وقت واحد لتدير جسمك و حياتك بالكامل .

Post a Comment

أحدث أقدم